للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: لا خلاف في أن الظاهرية الذين يقفون عند ظواهر النصوص ومن سلك مسلكهم لا يعملون به؛ لأنهم رفضوا قبل ذلك العمل بالقياس والمصلحة، وما عداهم من الأئمة، فالمشهور أن مالكًا وأحمد رحمهما الله تعالى هما اللذان يقولان بسد الذرائع، بينما يخالفهما أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى.

يقول الشاطبي وهو يقرر أن النظر في مآلات الأفعال معتبر ومقصود شرعًا: وهذا الأصل ينبني عليه قواعد، ومنها الذرائع التي حكمها مالك في أكثر أبواب الفقه (١) .

وقال القرافي في معرض كلامه عن الوسائل التي منعها الشرع لإفضائها إلى شبهة: إن مالكًا لم ينفرد بذلك، بل كل أحد يقول بها، ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادتهم فيها (٢) . وذكر ابن القيم وهو حنبلي المذهب: " وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما مقصود لنفسه، والثاني وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين (٣) " وهكذا يتضح لنا أن القول بسد الذرائع أصل معتمد في الفقه المالكي والفقه الحنبلي.

وأما أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى فلم تذكر كتب أصول مذهبهما شيئًا عن رأيهما في هذا، وذلك أن الباحث في هذا الموضوع يجد أن كتب أصول الحنفية والشافعية لا تتعرض للبحث في هذا الأصل، إلا أن المتتبع لأقوالهما يجد أنهما يقولان بسد الذرائع في كثير من المسائل، كما سنذكر ذلك عنهما فيما بعد.


(١) الموافقات ٢/ ٣٦١
(٢) تنقيح الفصول ص ٤٤٨، إرشاد الفحول ص ٢٤٦
(٣) إعلام الموقعين ٣/ ١٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>