للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القرافي: مالك لم ينفرد بذلك بل كل أحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادتهم فيها.

فإن من الذرائع ما هو معتبر بالإجماع كالمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين وإلقاء السم في طعامهم وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى.

ومنها ما هو ملغي إجماعا كزرع العنب خشية الخمر وإن كانت وسيلة إلى المحرم ومنها ما هو مختلف فيه كبيوع الآجال فنحن لا نغتفر الذريعة فيها.

وخالفنا غيرنا في أصل القضية إنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا لا أنها خاصة بنا. وبهذا تعلم بطلان استدلال أصحابنا على الشافعية في هذه المسألة بقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام ١٠٨] وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة ٦٥] .

فقد ذمهم بكونهم تذرعوا للصيد يوم السبت المحرم عليهم لحبس الصيد يوم الجمعة (١) .

وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين)) (٢) .

قال: وإنما قلنا إن هذه الأدلة لا تفيد محل النزاع لأنها تدل على اعتبار الشرع سد الذرائع في الجملة وهذا أمر مجمع عليه، وإنما النزاع في ذريعة خاصة وهو: بيع الآجال ونحوها.

فينبغي أن يذكروا أدلة خاصة بمحل النزاع وإن قصدوا القياس على هذه الذرائع المجمع عليها فينبغي أن تكون حجتهم القياس.

ويقول الإمام القرطبي بسد الذرائع: ذهب إليه مالك وأصحابه وخالفه أكثر الناس تأصيلًا، وعملوا عليه في أكثر من فروعه تفصيلًا (٣) .


(١) القرافي: الفروق ج٣ ص ٢٢٦ ـ ٢٦٧
(٢) رواه أبو داود في المراسيل، نيل الأوطار ج٨ ص٢٩١
(٣) الموافقات: ج٤ ص ١٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>