للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى الخاص للذريعة ـ تحرير محل النزاع:

قال القرطبي في تحرير موضع الخلاف: اعلم أن ما يفضي إلى الوقوع في المحظور إما أن يلزم منه الوقوع قطعًا أو لا.

والأول: ليس من هذا الباب بل من باب ما لا خلاص من الحرام إلا باجتنابه ففعله حرام من باب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

والذي لا يلزم: إما أن يفضي إلى المحظور غالبًا أو ينفك عنه غالبًا أو يتساوى الأمران وهو المسمى بالذرائع عندنا.

فالأول لا بد من مراعاته والثاني والثالث اختلف الأصحاب فيه. فمنهم من يراعيه، ومنهم من لا يراعيه وربما يسميه التهمة البعيدة والذرائع الضعيفة، وقريب من هذا التقرير قول القرافي: ـ آنف الذكر ـ إن مالكًا لم ينفرد بذلك، فإن الذرائع ما هو معتبر إجماعًا ومنها ما هو ملغي إجماعًا ومنها ما هو مختلف فيه.

إلى أن قال: إن من أدلة محل النزاع حديث زيد بن أرقم أن أمه قالت لعائشة: إني بعت منه عبدًا بثمانمائة إلى العطاء واشتريته نقدًا بستمائة فقالت عائشة: بئس ما اشتريت وأخبري زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب (١) .

موقف الإمام الشافعي رضي الله عنه من الذرائع:

أنكر الشافعية صحة أصل سد الذرائع وأبطلوا العمل به لسببين:

أولاهما: أن سد الذرائع مظهر من مظاهر الاجتهاد بالرأي وهم لا يأخذون منها إلا بالقياس، حيث جاء في الأم: ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان وإنما يؤخذ العلم عن أعلى (٢) .

وجاء عنه قوله: ولا يجوز القول إلا بالقياس (٣) .

وقال: ولا يجوز أن يفتي بالاستحسان (٤) .

ويستفاد من مجمل قوله في كتبه أن الاجتهاد بالاستحسان وغيره من الوسائل كسد الذرائع اجتهاد باطل.

والثاني: أن الشريعة تبنى على الظاهر لقوله: الأحكام على الظاهر والله ولي الغيب ... وكلف العباد أن يأخذوا من العباد بالظاهر (٥) .


(١) الزركشي: البحر ج٢ ص ٨٤٦
(٢) الأم: ٧ص ٢٤٦
(٣) اختلاف الحديث بهامش الأم ج٧ ص ١٤٨
(٤) الأم: ج٧ ص ٢٧٠
(٥) الرسالة: فقرة ١٤٥٦ ـ ١٤٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>