للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء في تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: ٤٤] .

قال ابن العربي: هذه الآية أصل من أصول إثبات الذرائع التي انفرد بها مالك وتابعه عليها أحمد في بعض رواياته. وخفيت على الشافعي وأبي حنيفة مع تبحرهما في الشريعة.

ثم عرف بقوله: وسد الذرائع: كل عمل ظاهره الجواز يتوصل به إلى محظور.

ثم مثل له قائلًا: كما فعل اليهود حين حرم عليهم صيد السبت فسكروا الأنهار وربطوا الحيتان فيه إلى يوم الأحد، وقد بينا أدلة المسألة في كتب الخلاف وبسطناها قرآنًا وسنة ودلالة من الأصول في الشريعة ثم ساق إعراضًا محتملًا والرد عليه فقال: فإن قيل: هذا الذي فعلت اليهود لم يكن توسلًا إلى الصيد بل كان الصيد نفسه؟

قلنا: إنما حقيقة الصيد إخراج الحوت من الماء وتحصيله عند الصائد، فأما التحيل عليه إلى حين الصيد فهو سبب الصيد لا نفس الصيد، وسبب الشيء غير الشيء إنما هو الذي يتوصل به إليه ويتوسل به في تحصيله، وهذا الذي فعله أصحاب السبت (١) .

ومن مسائلهم: إسقاط الزكاة ببيع النصاب أو هبته أو إنقاصه.

من كانت عنده ماشية فباعها قبل الحول بدراهم، أو كان عنده نصاب فأتلف جزءًا منه أو كان عنده مال فوهبه قبل الحول لولده. سقطت عنه الزكاة في قول أبي حنيفة والشافعي ولم تسقط في قول مالك وأحمد رحمهما الله إذا فعله قرب الوجوب فرارًا منها وتؤخذ منه في آخر الحول، وهو مذهب الأوزاعي وابن الماجشون وإسحاق وأبي عبيد.

وجهه: لأنه لما قصد قصدًا فاسدًا اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض قصده كمن قتل مورثه لاستعجال ميراثه عاقبه الشرع بالحرمان ولهذا لو فعل ذلك في أول الحول لم تجب لأن ذلك ليس بمظنة للفرار كما لو أتلف النصاب لحاجته من غير قصد الفرار وحرمان الفقراء من حقوقهم في ماله (٢) .


(١) أحكام القرآن: ج٢ ص٢٨٧
(٢) إغاثة اللهفان ج٢ ص٨٣، المغني ج٢ ص٥٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>