للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك لا يلزم في الذريعة التي يتوصل بها إلى ما فيه مفسدة أن يتوقف عليها وجود تلك المفسدة، فقد يعصي المقيم وقد لا يعصي المسافر، وهناك فرق بين العاصي بسفره والعاصي في السفر، فالأول لا يقصر ولا يفطر؛ لأن سبب هذين السفر، وهو في هذه الصورة معصية، فلا يناسب الرخصة: وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمتنع إجماعًا. يتبين من هذا أن أركان الذريعة ثلاثة: الوسيلة، والإفضاء، والمتوسل إليه أو المتذرع إليه، وهو الممنوع، والأساس في تقدير قوة الإفضاء، كاجتماع البيع والسلف، فإن البيع من الوسائل وهو مقصود بالمنع؛ لأنه وسيلة إلى السلف بمنفعة، فيمنع (١) .

ويتبين أيضًا أن الذريعة التي من أركانها الإفضاء للنتيجة: وهو الذي يصل بين طرفي الذريعة: الوسيلة والمتوسل إليه، لا تستلزم وجود المتوسل إليه، فإما أن يتم الإفضاء فعلًا، كعصر الخمر من العنب المبيع للخمار، وإما أن يقدر وجود الإفضاء تقديرًا، من غير أن يفضي بالفعل، وهذا يتحدد في عنصر القصد، فقد يقصد فاعل الوسيلة التذرع بها إلى المتوسل إليه، كمن يعقد النكاح على امرأة ليحلها لزوجها الأول، وقد لا يقصد فاعلها التذرع بها، ولكن كثرة اتخاذها وسيلة في العادة يدل على أنها وسيلة مفضية، كأن يبيع سلعتين بدينارين لشهر، ثم يشتري إحداهما بدينار نقدًا، فإنه متهم بالقصد إلى الجمع بين بيع وسلف معًا، ولو لم يقصد ذلك بالفعل، وقد لا يقصد فاعل الذريعة التذرع بها، ولكنها قابلة في نفسها لاتخاذها وسيلة للإفضاء بها إلى المتوسل إليه، كسب آلهة المشركين، فإنه قابل لحمل المشركين على سب الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم فيمنع منها (٢) .


(١) سد الذرائع في الشريعة الإسلامية للأستاذ محمد هشام البرهاني: ص ١٠١ وما بعدها
(٢) المرجع السابق: ص١١٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>