للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢-الفرق بين الذريعة والسبب، وبين الذريعة والوسيلة المستلزمة للمتوسل إليه:

الأسباب من جملة الوسائل كما قال القرافي (١) . ويتضح الفرق بين الذريعة والسبب من خلال بيان معنى كل منهما، أما السبب في اللغة فهو الحبل وما يتوصل به إلى غيره، وفي الاصطلاح الأصولي: هو وصف ظاهر منضبط، دل الدليل السمعي على كونه علامة لحكم شرعي (٢) . وقد يكون السبب مناسبًا للحكم فيسمى أيضًا علة كالسفر سبب لجواز الفطر في رمضان، وهو مناسب ظاهر، لتضمنه معنى المشقة التي تقتضي الترخيص، والإسكار سبب لتحريم الخمر، وهو وصف مناسب؛ لأنه يذهب العقول ويضيعها، وقد يكون غير مناسب، كدلوك الشمس، هو سبب لوجوب صلاة الظهر، في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] وعقولنا لا تدرك وجه المناسبة الظاهرة بين السبب والحكم، ومثل ذلك شهود شهر رمضان لوجوب الصوم، وأشهر الحج لفرضيته.

وحكم السبب: أنه إذا وجد ترتب عليه مسببه حتما سواء أكان مسببه حكما تكليفيا، كإباحة الفطر في رمضان بسبب السفر، أم إثبات ملك أو حل أو إزالتهما، كالبيع لتملك المبيع، وكالزواج يثبت حل الاستمتاع بين الرجل والمرأة، ويوجب المهر والنفقة، والطلاق يثبت حق المراجعة ـ ولو قال الرجل لا رجعة لي ـ لأن المسبب بترتيب الشارع، لا من الإنسان، وتم الربط بين السبب والمسبب بصنع الله وإرادته، إلا أن السبب (أو المقدمة) قد يتحقق من غير أن يكون فيه معنى الإفضاء أو الذريعة المفضية إلى المفسدة أو النتيجة مطلقا، كالسفر لمعصية، فإنه سبب ويتوقف ارتكاب المعصية على قطع المسافة وتجاوز الوطن، إلا أن السفر ليس من شأنه أن يفضي إلى تلك المعصية.


(١) الفروق: ٢/ ٣٣
(٢) شرح العضد على مختصر ابن الحاجب ٢/ ٧؛ إرشاد الفحول للشوكاني: ص٦

<<  <  ج: ص:  >  >>