للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يظهر من هذا التعريف: أن الحيلة هي للتخلص من قواعد الشريعة، فهي أخص من الذريعة، وهناك فرقان آخران بين الحيلة والذريعة، فالذريعة: لا يلزم فيها أن تكون مقصودة، والحيلة: لا بد من قصدها للتخلص من المحرم.

والحيلة تجري في العقود خاصة، والذريعة أعم. وكل من الحيلة والذريعة وسيلة لشيء.

أجاز فقهاء الحنفية وبعض الشافعية هذه الحيل إذا لم يقصد بها إبطال الأحكام صراحة، وإنما ضمنا، ومنعها مالك والشافعي وأحمد، للقاعدة الأصولية: " الأمور بمقاصدها ". وأن " العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني " وأن " التشريع مبني على مصالح مقصودة" وأنه يجب سد الذرائع أو الوسائل التي تفوت هذه المصالح، فلو وضع الشارع حكمًا مبنيًا على مصلحة، ثم أجاز الحيلة للتخلص من هذا الحكم، لكان الجواز نقضًا له، وهو تناقض لا يجوز وقوعه.

مثاله: الزكاة شرعت لسد حاجة الفقراء، فلو أجيزت هبة المال قبيل آخر الحول، فرارًا من الزكاة، لكان معناه إبطال مقصود الشريعة وإلحاق الضرر بالفقراء.

والشفعة شرعت لدفع الضرر، فلو شرع التحيل لإبطالها، لكان عودًا على مقصود الشريعة بالإبطال، وللحق الضرر الذي قصد إبطاله (١) . وأبطل ابن تيمية كل الحيل التي تؤدي إلى إسقاط شرط حرمه الشارع؛ لأن هذه مطلوبات، وإهمالها محرم، وكل ما يؤدي إلى المحرم يكون محرمًا، ولو كان في أصل ذاته مباحًا، وكذلك إذا كان غرضه أن يصل إلى أمر محلل، ولكنه لم يستطع الوصول إليه إلا بأمر محرم، فإنه في هذه الحال لا يكون التحايل سائغًا لأن المحرم الذي اتخذ وسيلة إلى الحلال حرام لذاته، كمن يتخذ الخيانة سبيلًا للوصول إلى حقه، أو شهادة الزور سبيلًا لإثبات حق مجحود، فإنه لا يسوغ؛ لأن الخيانة حرام لذاتها، وشهادة الزور حرام لذاتها، والمفسدة التي تترتب على فساد الشهادات وضياع الأمانات أشر من المفسدة التي تقع بضياع حق مفرد لواحد من الناس، فإنه إذا ساغ الاستشهاد بالزور لإثبات حق، فيستشهد بالزور لإثبات الباطل، وإذا ساغت الخيانة للوصول إلى الحق، فيسوغها لنفسه من يريدها لذاتها، وبذلك يكون أمر الناس فرضي، والحرام لذاته لا يباح مطلقا، ولا في أي حال إلا للضرورة (٢) . وقال في المغني: والحيل كلها محرمة لا تجوز في شيء من الدين، وهو أن يظهرا عقدًا مباحًا يريدان به محرمًا، مخادعة وتوسلًا إلى فعل ما حرم الله تعالى، واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب أو دفع حق ونحو ذلك (٣) .


(١) الموافقات ٢/٢٠١ إعلام الموقعين ٣/١٢٤، ٣٤٦ فتاوى ابن تيمية ٣/ ١٤٦
(٢) ابن تيمية للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة ص ٤٤٩
(٣) شرح الكوكب المنير لابن النجار ٤/ ٤٣٤ ـ ٤٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>