للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- هل الأخذ بالذرائع مما اختص به المذهب المالكي أو أن الأخذ بها ثابت في كل المذاهب وإن لم تصرح به؟ شواهد من فقه الأئمة الأربعة على العمل بسد الذرائع.

إن سد الذرائع معمول به في الاجتهاد في فقه الصحابة والتابعين، وفي المذاهب الاجتهادية الأربعة على تفاوت في مدى الأخذ به، أو درجة الأخذ، فمن عمل الصحابة بسد الذرائع: منع نكاح الكتابيات، وتضمين صاحب الدابة عما تتلفه، وتضمين الصناع، وإمضاء الطلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثا، وتحريم المرأة أبدًا على متزوجها في العدة، وقتل الجماعة بالواحد، وتوريث المبتوتة في مرض الموت من زوجها، لو مات في مرضه الذي طلق فيه (١) .

واستمر هذا العمل في عصر التابعين، مثل القول بمجانبة أهل الهوى والفساد، وترك بعض الأفعال المباحة حتى لا تتخذ سنة، مثل خلع الخليفة نفسه بطلب المعارضة، وترك تطويل الصلاة سدا لزريعة الوسواس وكراهية بعض التابعين صوم ست من شوال، حتى لا يلحق برمضان ما ليس منه، وترك الترفه في المطعم والشرب والمركب والمسكن (٢) .

وصرح المالكية كالقرطبي والقرافي وابن رشد الجد كما تقدم بأنهم لم ينفردوا في الأخذ بالذرائع، وشاركهم أئمة المذاهب الأخرى بها، ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادتهم فيها، فهناك ذرائع مجمع على حكمها، كسب آلهة المشركين، وحفر الآبار في طريق المسلمين، وإلقاء السم في أطعمتهم وأشربتهم، وهناك ذرائع مهمل حكمها كزراعة العنب خشية الخمر، وإباحة التجاور في البيوت، ولو احتمل وقوع الزنا، وإباحة النظر إلى المخطوبة، والتعريض بالخطبة أثناء عدة الوفاء، ونحو ذلك مما يندر إفضاؤه إلى المفسدة، أو استثني من أصل المنع بالنص، لما فيه من المصلحة الراجحة على المفسدة المحتملة، وهناك ذرائع مختلف فيها كبيوع الآجال، منهم من ألحقها بالذرائع الممنوعة، لأنها ذريعة يتحيل بها آكل الربا إلى بيع درهم نقدًا بدرهمين إلى أجل، ومنهم من ألحقها بالذرائع المهملة، لأنها عبارة عن عقدين صحيحين، كلاهما مقصود شرعًا، ولا فرق في القصد بين حصول ذلك مع عاقد واحد أو عاقدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في إباحة بيع تمر الجمع بالدراهم، ثم الشراء بها تمرا جيدًا، لم يفصل.

لكن اتفاق المذاهب الأربعة على الأخذ بسد الذرائع ليس بدرجة واحدة في مجال التطبيقات الفعلية، فالمالكية في أعلى درجة، والشافعية عكسهم، والحنابلة أقرب للمالكية، والحنفية أقرب للشافعية، وهناك شواهد من فقه أئمة المذاهب الأربعة على العمل بسد الذرائع.


(١) الذرائع للأستاذ هشام البرهاني ص ٥٣٥ ـ٥٤٧
(٢) الذرائع للأستاذ هشام البرهاني ص ٥٦٠، ٥٧٢، ٥٧٥، ٥٩١، ٥٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>