للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أقسام الذرائع فثلاثة عند الجمهور:

قسم أجمعت الأمة على اعتباره ومنعه، وهو ما كان أداؤه إلى المفسدة قطعيًا، كحفر بئر في طريق المسلمين وكسب آلهة المشركين عندما يعلم أنهم بذلك يسبون الله عز وجل.

وقسم أجمعت الأمة على إلغائه وإباحته، وهو ما كان أداؤه للمفسدة نادرًا أو كانت المصلحة فيه راجحة على المفسدة، كزراعة شجر العنب فلا تترك خشية عصر العنب خمرًا، وكفداء أسرى المسلمين بدفع مال للمشركين الذين أسروهم؛ لأن مصلحة فداء المسلمين أرجح من مفسدة دفع مال يمكن أن يتقوى الأعداء المشركون به.

وقسم اختلف الأئمة فيه وهو ما كان أداؤه للمفسدة كثيرًا لا نادرًا ولا غالبًا كبيوع الآجال ونكاح التحليل الآنف الذكر فمنعهما مالك وأحمد وأجاز الشافعي بيوع الآجال ومنعها أبو حنيفة لا لسد الذرائع ولكن لورود نص في منعها، واتفقا على جواز نكاح التحليل، إذا لم يكن مشترطًا في العقد حيث كان نية في القلب فقط.

ومن عرضنا الموجز لأقسام الذرائع يتضح لنا موقف أئمة الفقه من الاحتجاج والأخذ بسد الذرائع، فقد ذكرنا أن القسم الأول مجمع عليه، فقد أخذ به جميع الأئمة إلا أن أبا حنيفة والشافعي لم يحتجا به سدًا للذريعة، وإنما احتجا بالنص الذي ورد بمنعه، ولأن ما لا خلاص من الحرام إلا باجتنابه ففعله حرام.

أما القسم الذي اختلف الأئمة في منعه فهو ما أسلفنا وذكرنا له مثالين هما بيوع الآجال ونكاح التحليل.

ونظرًا لهذا كله فإنه يتضح لنا أن الأخذ بسد الذرائع لم يختص به الإمام مالك، بل شاركه جميع الأئمة في الأخذ ببعضه، وإن لم يصرح بعضهم به كأصل من أصول الفقه، وشاركه الإمام أحمد في الأخذ ببعضه الآخر، واتفق معه على أن سد الذرائع أصل هام من أصول الفقه.

وعليه فإنه اعتبار سد الذرائع في الفروع الفقهية له ما يرجحه حتى قال ابن القيم: إن ما يفضي منه إلى الحرام يعتبر أحد أرباع الدين؛ لأنه إذا لم يعتبر سد الذرائع في الفروع الفقهية تركت النفس منطلقة على هواها متخذة أية وسيلة تحقق لها أغراضها الفاسدة لأن النفس كما قال الله عز وجل: {لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>