للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

في المقارنة بين سد الذرائع

والمصالح المرسلة والحيل الفقهية

١- سد الذرائع والمصالح المرسلة:

سد الذرائع يدخل في باب المصالح دخولًا بينًا لأن حقيقته ترجع إلى منع كل أمر يتوسل به إلى المفسدة، وهو من هذه الوجهة متمم لأصل المصلحة ومكمل له (١) ، ولدخول سد الذرائع في المصالح نجد الشاطبي يتناوله من خلال حديثه عن (المقاصد) في المسألة الخامسة التي عقدها للحديث عن جلب المصلحة ودفع المفسدة (٢) ، كما يتناوله أيضًا في المسألة العاشرة من الطرف الأول وهو الطرف الذي يتعلق بالمجتهد حيث يشترط فيه النظر في مآلات الأفعال بل يعتبر النظر في مآلات الأفعال من المقاصد الشرعية كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وعلى المجتهد ألا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعًا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مفسدة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب بالمذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة (٣) . ثم يعقب على ذلك في فصل لاحق فيقول: (وهذا الأصل ينبني عليه قواعد منها قاعدة الذرائع التي حكمها مالك في أكثر أبواب الفقه (٤) .

والأصوليون من المتكلمين يدخل مبحث الذرائع عندهم من خلال المناسبة في باب المصلحة عند الحديث عن انخرام المناسبة بالمفسدة المساوية أوالزائدة (٥) . ولعل مما يؤكد الصلة الوثيقة بين الذرائع والمصلحة أن المالكية وهم من المكثرين من الأخذ بالمصالح المرسلة في فتاواهم يكثرون أيضًا من الأخذ بسد الذرائع ـ كما سنرى عند عرض موقف المذاهب الفقهية من سد الذرائع ـ وما ذلك إلا لأن سد الذرائع وجه من وجوه الاجتهاد المصلحي.


(١) الموافقات للشاطبي ٢: ١٢٦٧، والوجيز في أصول الفقه للأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان ص ٢٥٠ طبعة الرسالة
(٢) الموافقات ٢: ٢٥٥ ط صبيح
(٣) الموافقات ٤: ١٢٧، ١٢٨
(٤) الموافقات ٤: ١٣٠
(٥) نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي للأستاذ الدكتور حسين حامد حسان ص ١٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>