للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- سد الذرائع والحيل:

يعرف الشاطبي الحيلة بأنها: (تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر) (١) .

والحيلة بهذا المفهوم تناقض سد الذرائع؛ لأن سد الذرائع ـ كما سلف توضيحه ـ منع الأمر المباح إذا كان وسيلة لأمر غير مباح، وعلى هذا فإن الذريعة التي تسد هي في بعض الحالات حيلة منعت ويتأتى ذلك بصورة خاصة في الذريعة التي يكون إفضاؤها إلى المحرم بقصد فاعلها كبيوع العينة ـ إذا قصد بها الربا ـ فهي حيلة لأنها تقديم عمل ظاهره الجواز لإبطال حكم شرعي هو تحريم الربا بإظهاره في صورة بيع صحيح.

وفي هذا يقول ابن القيم: (فتجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، فإن الشارع سد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلة فأين من يمنع الجائز خشية الوقوع في المحرم إلى من يعمل الحيلة في التوسل إليه) (٢) .

على أنه لا بد من أن يلاحظ هنا أن التناقض بين سد الذرائع والحيل يكون في حال القصد فقط، أما إذا انعدم القصد كبيوع العينة التي لا يصاحبها قصد، والذرائع التي لا ترد فيها تهمة التحايل أصلًا كسب الأوثان فإنه ذريعة إلى سب المولى ـ تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا ـ ومثل هذا لا يقصده مؤمن قطعًا فهو من باب الذرائع لا من باب الحيل، فالذرائع أعم من الحيل (٣) ، ويبدو أن ابن القيم جعل المناقضة بينهما تامة لأن مذهبه يقوم ـ كما أشرنا في تقسيمه ـ على ربط الذريعة بالقصد دائمًا.

هذا وقد أشار الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي إلى فرق آخر بين الحيل والذرائع وهو أن الحيل تجري في العقود خاصة أما الذرائع ففي العقود وغيرها فهي أوسع (٤) .


(١) الموافقات: ٤: ١٣٢
(٢) إعلام الموقعين لابن القيم ٣: ١٣٦
(٣) أصول الفقه وابن تيمية للدكتور صالح بن عبد العزيز آل منصور، وأصول الفقه للدكتور وهبة الزحيلي ٢: ٩١١
(٤) إعلام الموقعين لابن القيم ٣: ١٣٥ ـ ١٦١ وأصول الفقه وابن تيمية ٢: ٤٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>