للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي كل الأحوال فإن بين الذرائع والحيل تداخلًا في بعض الحالات، ولهذا فإن الأصوليين والفقهاء يتناولون إحداهما تبعًا للأخرى، فابن القيم في إعلام الموقعين يتناول الحيل عند حديثه عن سد الذرائع (١) . والشاطبي في الموافقات يتناولهما متجاورتين عند حديثه عن النظر في مآلات الفعال (٢) ، وابن تيمية يأتي تناوله لسد الذرائع تابعًا لحديثه عن الحيل (٣) .

وفوق ذلك فإن مواقف الفقهاء من الحيل تتحدد في إطار مواقفهم من سد الذرائع، فالذين يتشددون في سد الذرائع يمنعون الحيل بإطلاق وهم الحنابلة والمالكية، والذين يرون أن الذريعة لا تسد إلا إذا ظهر القصد إلى الممنوع واضحًا في صيغة العقد، هم الشافعية والحنفية قد لا يدخلون في الحيل ما أدخله الأولون فيها وهكذا.

وأخيرًا فإن المقارنة السابقة بين الذرائع والحيل لا تمتد إلى الحيل بمعنى المخارج، وهي الحيل التي يقصد بها التوصل إلى إثبات حق أو دفع مظلمة أو التيسير على الناس، كمن يبيع أرضه أو سلعة له أو يهبها لمن يثق به خوفًا من تسلط ظالم حتى إذا اطمئن وزال خوفه عاد فاشتراها أو استرجعها منه (٤) ، وكمن يبيع الذهب الرديء بالنقود الورقية ويشتري بها ذهبًا جيدًا خوفًا من ربا الفضل إذا تقابل الذهبان ببعضهم مع التفاضل (٥) .

فإن مثل هذه المخارج جائزة ولها شواهد في الشرع منها قوله تعالى لأيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] ليبر بقسمه أثناء مرضه في أن يضرب زوجته مائة ضربة (٦) .

وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر فجاءه بتمر (جنيب) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا) وغير هذين من الشواهد والنصوص.


(١) أصول الفقه وابن تيمية للدكتور صالح بن عبد العزيز آل منصور ٢: ٤٩٤
(٢) الموافقات: ١٣٠ ـ ١٣٢
(٣) الفتاوى المصرية الكبرى ٣: ٨٣، وأصول الفقه وابن تيمية ٢: ٤٩١.
(٤) مصادر التشريع الإسلامي (الأدلة المختلف فيها) الدكتور حسنين محمد حسنين ص ١٧٥
(٥) ضوابط المصلحة للدكتور سعيد رمضان البوطي ٢٩٦
(٦) راجع تفسير ابن كثير ٧: ٢١٤ طبعة المنار، وضوابط المصلحة ٣٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>