للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء في الهداية: (قال) ويكره بيع السلاح في أيام الفتنة (معناه ممن يعرف أنه من أهل الفتنة لأنه تسبب إلى المعصية وقد بيناه في السير وإن كان لا يعرف أنه من أهل الفتنة لا بأس بذلك لأنه يحتمل ألا يستعمله في الفتنة فلا يكره بالشك) (١) .

والشافعية أيضًا على صحة البيع في مثل هذه الحالة، جاء في الأم للإمام الشافعي: (أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحًا في الظاهر لم أبطله بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين، وأجزته بصحة الظاهر وأكره النية إذا كانت النية أو أظهرت كانت تفسد البيع، وكما أكره لهما للرجل أن يشتري السيف على أن يقتل به، ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يراه أن يقتل به ظلمًا لأنه قد لا يقتل به ولا أفسد عليه هذا البيع) (٢) .

لعلة واضح من الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة أن اختلافهم أساسه قاعدة الذرائع، فالحنابلة والمالكية الذين يتشددون في الأخذ بهذا المبدأ يبطل الأولون منهم مثل هذا البيع بطلانًا مطلقًا، والآخرون وإن لم يقولوا ببطلانه لكنهم يبطلون أثره وهو تملك المشتري للمبيع، ويلزمونه بإخراجه من ملكه خوف الضرر والفساد الذي يؤدي إليه ذلك الصنيع، وقد جاء في الحطاب ما يدل على تعويلهم على سد الذرائع في هذه المسألة حيث قال ـ تعقيبًا على جملة مسائل سبقت ـ قال الأبي والمذهب في هذا سد الذرائع) (٣) .

أما الحنفية والشافعية فواضح من أقوالهم أنهم لا يسدون الذريعة هنا ـ ما دام أن الغرض غير المشروع لم يفصح عنه صراحة ـ ويكتفون الأخذ بظاهر التصرف ولا يرون مبررًا لإبطاله بتهمة ولا بعادة بني المتبايعين كما يعبر الإمام الشافعي في نصه السابق ـ وإن كانت النية في ذلك مكروهة وغير مستحبة لكن الحكم يصح قضاء وينفذ.


(١) الهداية ٤: ٩٤ طبعة الحلبي
(٢) الأم ٣: ٦٥ طبعة الشعب
(٣) شرح مواهب الجليل للحطاب ٤: ٢٥٤

<<  <  ج: ص:  >  >>