للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملاحظات:

الأولى: ذكر الأستاذ سلام أن (الواقع أن الفقهاء جميعًا يأخذون بأصل الذرائع مع اختلاف في مقدار الأخذ به وتباين في طريقة الوصول إلى الحكم أن المشاهد في أحكام الفروع أن أكثر الفقهاء يعطي الوسيلة ـ أي الذريعة ـ حكم الغاية إذا تعينت الوسيلة لهذه الغاية، أما إذا لم تتعين طريقًا لها فالمشهور عن الإمام مالك أنها تعتبر أصلا للأحكام، ويقرب منه في ذلك الإمام أحمد وتبعها ابن تيمية وابن القيم (١) .

والذي ينبغي أن يقال إن تعين الوسيلة للغاية لا يكسبها حكم الغاية دائمًا إلا إذا كانت الغاية غير منفكة عن الوسيلة، فلو أن طريقًا ما كان هو الطريق الوحيد للوصول إلى بيت فيه مفسدة لم يحرم السير فيه لأغراض أخرى، ثم إننا لا ندري كيف يحرم كل طريق يؤدي إلى المفسدة، ولو كان الأداء غير غالبي فضلًا عن كونه في قليل من الأحيان.

وعلى أي حال فالنص غير دقيق وتقسيم القرافي أدق منه.

الثانية: لاحظ الأستاذ الحكيم على ما قاله مالك وأحمد وابن تيمية وابن القيم من أن هذه المسألة من أصول الأحكام وعلق عليه بأن اكتشاف حكم المقدمة إما أن يتم من خلال الحكم العقلي بقاعدة الملازمة بين الحكم الشرعي ذي المقدمة والحكم الشرعي في المقدمة وحينئذ تدخل المسألة في مباحث صغريات حكم العقل.

وإما أن تستفاد هذه الملازمة من خلال الدلالة اللفظية الالتزامية لأدلة الأحكام ـ كما بني عليه البعض ـ وحينئذ يكون وجوب المقدمات مدلولًا للسنة ولا تشكل المسألة أصلًا برأسه (٢) .

ولو كان هؤلاء العلماء يقصدون ذلك لكان الإشكال واردًا.

إلا أن المحتمل أنهم يريدون أن المسألة تشكل قاعدة عامة تستنبط منها الأحكام حتى وإن كانت تطبيقًا لأصول أخرى سابقة عليها.

الثالثة: قد ينطبق عنوان محرم على بعض المقدمات وإن لم تكن مستلزمة بشكل عرفي للنتيجة المحرمة فتحرم ولكن لا من باب هذا الأصل وإنما من باب انطباق العنوان المحرم عليها ... وهذا العنوان من قبيل (الاعانة على الأثم) المنهي عنها في القرآن الكريم وقد يقع الاختلاف في موارد الانطباق.

فبيع هياكل العبادة المبتدعة كالصليب أو الصنم، وبيع آلات اللهو المخصصة للحرام وكذلك آلات القمار هي من الموارد المحرمة بلا ريب باعتبارها إعانة على الإثم بالإضافة للأدلة الخاصة الواردة فيها.

وبيع العنب على أن يعمل خمرًا والخشب على أن يعمل صنمًا وإجارة المساكين ليباع ويحرز فيها الخمر، وبيع محلات السينما على أن تعرض فيها الأفلام الخليعة، وإجارة الأماكن ليتم تعذيب المؤمنين فيها كل ذلك وأمثاله مما ينطبق عليه حتمًا عنوان الإعانة على الإثم فضلًا عن أنه أكل للمال بالباطل باعتبار أن تلك المنافع ساقطة في نظر الشارع.

وربما وقع الاختلاف في بيع العنب مثلًا دون تقييد بصنع الخمر ولكنه يحتمل أنه بفعل ذلك، أو في بيع شيء أو انضم إليه شيء آخر في عقد آخر لكان مقدمة حتمية للحرام، أو بيع سلاح ممن يظن أنه يتعامل مع العدو المحارب، أو تمرير بضاعة من خلال بعض الدوائر التابعة للظالمين مما يؤدي لأخذهم ضرائب عليها وتقوية كيانهم دون أن يقصد هذه التقوية وإنما يقصد التصدير لبلاد أخرى.

وخلاصة الأمر: إنه إذا صدقت عناوين محرمة أخرى على بعض المقدمات كانت محرمة لذلك ولكننا نبحث عن المقدمية نفسها وهل تستوجب الحرمة إذا لم تكن ملازمة أم لا؟ ونشير هنا إلى البحث القيم الذي قدمه الشيخ الأعظم الأنصاري في هذا الموضوع فليراجع (٣) .


(١) المدخل للفقه الإسلامي ص ٢٧٠
(٢) أصول الفقه المقارن ص٤١٥
(٣) المكاسب طبعة تبريز من ص ١٤ إلى ٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>