للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا نعرف أن البحث عن سد الذرائع يعود إلى البحث عن التزاحم، ففي الأمثلة التي ذكرها القرافي يتم التزاحم مثلًا بين وجوب فداء أسرى المسلمين وحرمة إعانة الكفار في الانتفاع بمال المسلمين، أو بين حرمة الإعانة على أكل المال بالباطل وحرمة الزنى، وأمثال ذلك حيث يقدم الأهم على المهم، بل يمكن القول بأن التزاحم بين وجوب ذي المقدمة وإباحة المقدمة في مورد السعي إلى الجمعة فيقدم الأهم وهو الوجوب.

أما الحسن الذي ذكره للوسائل وأنها تدخل في زيادة الثواب كما في الآية الكريمة {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة: ١٢٠] فهو في الواقع ناتج من ارتفاع صعوبة الجهاد نفسه و (أفضل الأعمال أحمزها) بلا ريب.

الخلاصة: من خلال ما تقدم نستخلص الأمور التالية:

١- أن هناك اختلافًا حقيقيًا بين العلماء من مختلف المذاهب حول مورد النزاع وهو الذرائع التي لا تستلزم ولو بشكل عرفي تحقق الحرام.

٢- أنه قد يشتد اهتمام الشارع بنفي مفسدة ما فيعمل على سد كل الطرق التي تؤدي إليها ولو احتمالًا إلا أن ذلك لا يشكل دائمًا قاعدة عامة.

٣- إن لولي الأمر في ظل الظروف التي يشخصها أن يحرم بعض الوسائل المباحة باعتبار استغلالها للإقدام على الحرام ومن أمثلة ذلك تحريم استقبال الباث الخارجي للتلفزة الغربية المعادية للأخلاق.

٤- أن الأدلة التي ذكرها القائلون بسد الذرائع وأهمها دليل الاستقراء وأدلة الاحتياط والدليل العقلي لا يمكنها أن تنهض بقضية سد الذرائع لورود مناقشات جادة عليها.

٥- إن سد الذرائع حتى لو تمت أدلته ليس أصلًا من أصول الفقه وإن أمكن أن يشكل قاعدة مهمة عامة.

٦- إنه قد ينطبق على بعض المقدمات عنوان محرم من قبيل عنوان (الإعانة على الإثم) فتحرم لذلك لا لكونها ذريعة محتملة الإيصال إلى الحرام.

٧- إن المعيار في التفريق بين الحيل الشرعية المرفوضة ومحاولات التخلص الحقيقي من الحرام هو العرف الذي أوكل الشارع إليه تشخيص المفاهيم.

٨- عند الحديث عن فتح الذرائع هناك مجال لبحث وجوب المقدمة وبحوث التزاحم الذي يأتي عندما يتزاحم واجبان في مقام الامتثال وحينئذ يقدم الأهم على المهم.

والله الهادي إلى سواء السبيل

الشيخ محمد علي التسخيري

<<  <  ج: ص:  >  >>