للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: إذا كان الأمر على العكس فتوقف فعل الواجب كإنقاذ غريق محترم على ارتكاب حرام كتصرف بأرض مغصوبة فإن حرمة الغصب هنا تسقط لتزاحمها مع الواجب الأهم وحينئذ فإن ارتكب الغصب دون أن ينقذ الغريق، فإن لم نقل بالملازمة فقد ارتكب حرامًا، أما إذا قلنا بها فإن الوجوب الغيري يمنع من اتصاف هذه الحركة بالحرمة (١) .

وقد اختار المرحوم الصدر انكار الوجوب الغيري كحكم شرعي للمقدمات وإن سلم بوجود شوق وحب غير ناشيء من التلازم بين حب شيء وحب مقدماته (٢) .

ومبنى المتأخرين من علماء الإمامية كالمرحوم السيد محسن الحكيم والمرحوم الإمام الخوئي وغيرهما انكار هذه التبعية أيضًا ـ وهو المذهب الحق.

وعليه، ومع إنكار وجود حكم شرعي للمقدمة فإن الأمر يتحول إلى نوع من التزاحم بين تنفيذ حكم المقدمة في نفسها وحكم ذي المقدمة بعد أن لم يمكن تنفيذهما معًا.

والتزاحم ـ كما هو معلوم ـ إنما يكون في مورد يصدر فيه حكمان من الشارع ولكنهما يتنافيان في مقام الامتثال إما لعدم القدرة على الجمع بينهما كما في المثال السابق أو لقيام الدليل الثالث على عدم إرادة الجمع بينهما:

وفي هذا المجال يرجع إلى مرجحات باب التزاحم.

وأهم معيار هو الأهمية المستقاة من الشريعة.

وهنا تأتي بحوث في بيان علامات ومعايير الأهمية. فيقال إن الحكم المضيق مثلًا مقدم على الحكم الموسع (كما لو تزاحم أداء الدين المستحق مع حكم الصلاة في وقتها الموسع) وإن ما ليس له البدل مقدم على ما له البدل.

(كما لو تزاحم الأمر بالوضوء مع انقاذ نفس ظامية) .

وإن ما كان أمره معينًا يقدم على ما كان مخيرًا.

(كالوفاء بالنذر فإنه يقدم على الكفارة المخيرة) .

وإن ما كان مشروطًا بالقدرة العقلية مقدم على ما كان مشروطًا بالقدرة الشرعية.

(كتقديم الوفاء بالدين على الحج) .

وهكذا.


(١) دروس في علم الأصول ـ الحلقة الثالثة ج١ ص٣٧٧ ـ ٣٧٨
(٢) دروس في علم الأصول ـ الحلقة الثالثة ص ٣٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>