للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذريعة في اصطلاح الأصوليين:

كما ظهر مما مر في المعنى اللغوي للذريعة أن الذريعة هي الوسيلة إلى الشيء قال صاحب تهذيب الفروق.

(الذريعة بالذال المعجمة الوسيلة إلى شيء وأصلها عند العرب ما تألفه الناقة الشاردة من الحيوان، لتضبط به ثم نقلت إلى البيع الجائز صورة المتحيل به على ما لا يجوز، وهو السلف الجار نفعًا، وكذا غير البيع على وجه التحيل به على ما لا يجوز من كل شيء كأنه وسيلة لشيء) (١) .

وقد قال الشاطبي: إن حقيقة الذريعة التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة (٢) .

وقال ابن رشد في كتاب المقدمات: إن الذرائع هي الأشياء التي ظاهرها الإباحة، ويتوصل بها إلى فعل المحظور، ومن ذلك البيوع التي ظاهرها الصحة، ويتوصل بها إلى إباحة الربا) (٣) .

وقال ابن القيم الجوزية: لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في صحتها والإذن بها بحسب إفضاؤها إلى غاياتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات وهي مقصودة قصد الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقًا لتحريمه وتثبيتًا له ومنعًا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم وإغراء للنفوس به.

وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعد متناقضًا ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده، وكذلك الأطباء، إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه، فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال، ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم، بأن حرمها ونهى عنها. والذريعة: ما كان وسيلة وطريقًا إلى الشيء (٤) .


(١) تهذيب الفروق ٣/٢٧٤
(٢) الموافقات للشاطبي ٤/ ١٩٩
(٣) المقدمات كتاب البيوع ٢/ ٥٢٤
(٤) إعلام الموقعين لابن القيم الجوزية ٢/ ١٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>