وبعد ما ذكرنا تعريف الذرائع وأنواعها وأحكامها يبدو من المناسب أن نذكر عدة نظائر كذلك، التي روعيت فيها تلك الأصول
١- قال الله تعالى في القرآن الكريم:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام: ١٠٨] .
فظاهر أن الآلهة الباطلة باطلة في الواقع، وسبهم ليس من الشر في ذاته، إلا أن سب المشركين الله كرد الفعل لذلك هو أعظم خطيئة ولذلك سد القرآن الكريم هذه الذريعة التي يتوصل بها إلى الشر.
٢- قد ورد النهي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها، والغرض من ذلك هو المنع من المشابهة مع الكفار، وهذه المشابهة تتحقق بالسجود في تلك الأوقات.
وكذلك ورد النهي في الحديث الشريف عن الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها في النكاح لأنه يوجب قطع صلة الأرحام.
وكذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدائن عن قبول هدية المدين؛ لأن ذلك ربما يحدث الميل في نفس الدائن إلى الانتفاع بالدين.
٣- نهى الخليفة الثاني سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه عن الصلاة عند الشجرة التي انعقدت بيعة الرضوان تحتها، بل إنه قام بقطعها عندما خاف من أن هذا العمل المباح قد يدفع الناس إلى العودة إلى نزعة عبادة الأصنام القديمة، فقال رضي الله عنه حين رأي الناس يأتون إليها، ويصلون عندها، أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى، ألا لا أوتي منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلا قتلته بالسيف، كما يقتل المرتد، ثم أمر بقطعها.
٤- إيقاع الطلاق يخرج المرأة من النكاح، وإذا خرجت المرأة من النكاح لا ترث زوجها، فإيقاع الطلاق في مرض الموت ينتج حرمان المرأة من الميراث وقام الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بتوريث زوجة عبد الرحمن في مرض وفاته، بالرغم من أن عدتها كانت قد انقضت وقد أجاب عمر رضي الله عنه عندما سأله القاضي شريح عن رجل طلق امرأته ثلاثًا وهو مريض، بأن المرأة تستحق الإرث ما دامت في العدة، ومن الظاهر أن الطلاق الذي جعله الشرع مباحًا يوجب التحريم من الإرث، فالمطلق وإن لم يقصد ذلك، ولكنه يتهم به لإقدامه على الطلاق في تلك الحال ولذلك أزيل أثر هذا الطلاق في باب الوراثة، وذلك سد للذريعة.