للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موازنة بين الأئمة الأربعة في الذرائع:

ويبدو واضحًا فيما تقدم من المباحث أن سد الذرائع قاعدة أو أصل مجمع عليه في نفس الأمر، وإن كان من المعروف لدى أهل العلم أن المالكية يأخذون به أكثر ويقاربهم الحنابلة والشافعية أقل الفقهاء أخذًا به، ويقرب إليهم أبو حنيفة وأصحابه لذلك صرح علماء المالكية وغيرهم: إن سد الذرائع ليس من خواص مذهب الإمام مالك (١) .

ثم نرى إجماعهم في بعض القضايا التي أعملوا فيها سد الذرائع بدون نزاع، ووقوع اختلافهم في بعضها، وذلك بناء على اختلاف أصول ضمنية في صدد (سد الذرائع) كما بينه الإمام أبو زهرة يقول:

(فقد أجمعوا على أن ما يؤدي إلى إيذاء جمهور المسلمين ممنوع لا محالة كحفر الآبار في الطرق العامة.

وقد أجمعوا أيضًا على ما يكون سبيلًا للخير والشر ويكون في فعله فوائد للناس لا يكون ممنوعًا كغرس العنب، فإنه يؤدي إلى عصره وتخميره، ولكن لم يكن لذلك بأصله ولأن استخدامه لذلك احتمال والمنفعة في غرسه أكبر من هذه المضرة والعبرة بالأمر الغالب أو الراجح في الظن.

وفيما عدا القسمين السابقين كان الخلاف: فالشافعي نظر إلى الأحكام الظاهرة ولم ينظر إلى غاياتها ومآلاتها.. وإن هذه النظرة تخالف نظر الإمام أحمد ومالك، فإنهما عند اتجاههما إلى الذرائع نظرًا إلى المآلات نظرة مجردة ونظرا إلى البواعث (٢) .

وأما النظر في الفروع فيقف المالكية وحدهم في كثير من المسائل يسدون الذريعة فيها، على حين يكون الأئمة الثلاثة في الطرف الآخر، أو يكون لهم في المسألة قول واحد، على حين يكون للحنابلة قولان مشهوران، وربما يكون المالكية والحنابلة في جانب والشافعية والأحناف في الجانب الآخر.

ومن الأول: كراهة المالكية لأكل الخيل لأن في أكلها تقليل آلة الجهاد وخالفهم جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة (٣) .

ومن الثاني: قول المالكية بعدم جواز قبول بعض ما أسلم فيه وبعض رأس ماله لأنه من الذرائع عندهم إلى البيع والسلف وإلى بيع الطعام قبل أن يستوفى، وقد وافقهم الحنابلة في إحدى الروايتين وخالفوهم في الأخرى وهي قول أبي حنيفة والشافعي (٤) .

ومن الثالث: أوضح مثال للخلاف بين الفقهين المالكي والحنبلي وبين الفقه الشافعي والحنفي في مسألة الذرائع هو تلك البيوع الربويه فقد توسع مالك وأحمد في تحريمها وإبطالها، وضيق الشافعي باب الإبطال وقاربه في ذلك أبو حنيفة وأصحابه (٥) .


(١) انظر الفروق للقرافي ٢/٣٣ ـ ٣٤، وتنقيح الفصول ٢٠٠
(٢) ابن حنبل ٣٣٧ ـ ٣٣٨
(٣) انظر النووي على مسلم ١٣/ ٩٥ وتحفة الأحوذي ٥/ ٥٠٥، والإشراف ٢/٢٥٦
(٤) انظر بدائع الصنائع ٥/٢١٥، والمغني ٤/ ٢٦٤
(٥) ابن حنبل ٣٤٠ بتغير يسير

<<  <  ج: ص:  >  >>