للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شواهد فتح الذرائع:

١- قوله تعالى مخاطبًا نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٣] .

ولا بد لتبليغ الرسالة الواجب على موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون، والذهاب إليه امتثالًا بأمر الله تعالى هو ذريعة لأداء الرسالة المفروضة عليهما بقوله عز وجل: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: ٤٧] .

٢- وإنما أمر سبحانه وتعالى عباده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] والمقصود صلاة الجمعة المفروضة، ولكن السعي وسيلة إلى إقامتها كذلك السعي إلى البيت الحرام ذريعة لأنه يوصل إلى الحج المشروع المشتمل على المصالح والحث على السعي إلى البيت الحرام والعمل به يسمى بفتح باب الذريعة (١) .

٣- ومنه قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: ٤١] فخروج المسلمين لالتقاء الكفار ذريعة لا بد من تحقيقها للجهاد في سبيل الله الذي أمر به الله عز وجل في نفس الآية.

٤- ويكون ارتكاب أخف الضررين فتحًا للذريعة حينا كما ثبت من قصة الخضر مع موسى عليه السلام حيث أباح الله تعالى للخضر أن يعيب السفينة تجري في البحر التي ركبها هو وموسى عليه السلام لكيلا يصيبها ضررًا أكبر منه هو أن يغصبها ملك ظالم كان وراءها في الطرف الآخر فقال تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: ٧٩] .

هناك تحملت المفسدة فيه للتوصل إلى المطلوب الراجح المصلحة فتحًا للذريعة ودفعًا للضرر الأكبر.

٥- ويكون اتخاذ الحيل الجائزة لتحصيل المطلوب داخلًا في زمرة فتح الذريعة كما هو ثابت من قصة يوسف عليه السلام مع إخوته: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (٧٠) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (٧٣) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) } [يوسف: ٦٩ ـ ٧٦] .

والفقهاء أجازوا اتخاذ الحيل الجائزة لتحقيق مصالح ومقاصد مختلفة كما مر تفصيلها، هذه كلها داخلة في فتح الذرائع.


(١) انظر سد الذرائع ٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>