للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحاصل:

أنه يتبين من استقراء كتب الفقه أن جميع الفقهاء يراعون أصل سد الذرائع بالرغم من اختلافهم في التعبير، غير أن وجهاتهم تختلف عند المقارنة فيما بين المصلحة والمفسدة، فيحكم بعضهم بالجواز عندما يرى المصلحة راجحة في قضية، والمفسدة مرجوحة وغير قابلة للاعتبار، وعلى العكس من ذلك يرى البعض الآخرون في نفس القضية، المفسدة راجحة والمصلحة مرجوحة ويحكمون بمنعها، وهناك قضايا كثيرة من مثل هذا النوع، تحدث في حياتنا الاجتماعية، فمن واجب الفقهاء أن يرجعوا إلى هذا الأصل للتوصل إلى الحلول الشرعية الملائمة لتلك الحوادث مثلًا. امرأة غاب عنها زوجها ولكنه قد ترك خلفه من المال، ما تعيل به المرأة نفسها، وبعد ما قضت سبعة أو ثمانية أعوام، تنتظر زوجها، ترافع إلى القاضي وتبتغي التفريق من زوجها الغائب فيأمرها القاضي بالتربص إلى أربعة أعوام بعد طلب التفريق، علاوة على ما تربصت، بناء على الفقه المالكي، ولكن القاضي إذا غلب على ظنه بالنظر إلى شباب المرأة وفساد البيئة واختلاط الجنسين في المجتمع أن حكم الانتظار المزيد يدفع المرأة إلى السوء، ويوقعها في الفتنة التي شرع النكاح للوقاية منها، فهل يجوز للقاضي أن يفسخ نكاح المرأة من زوجها الغائب على الفور، سدًا لباب الفتنة وخوفًا من الزنا؟ ويمكننا أن نستخدم هذا الأصل للبحث عن حلول تلك القضايا والمشكلات الاجتماعية، ولكن يجب أن يكون الفقيه عميق النظر، بعيد الغور مطلعًا على دقائق هذا الأصل، خبيرًا بجميع نواحي القضية، لكيلا يكون ذلك موجبًا لهدم أساس الدين ويجعل الفساد صلاحًا وبالعكس، وبدون التمييز الصحيح بين المصلحة والمفسدة.

ولذلك استخدام هذه الأصول بدون الوعي الفقهي الصحيح والنظر الثاقب العميق قد تكون ذريعة إلى مفسدة لا بد من سد بابها كذلك.

الشيخ مجاهد الإسلام القاسمي

<<  <  ج: ص:  >  >>