وأمامك الآن اللفظة الثانية، التي لها تعلق بلفظة ذريعة، فخذ (غير مأمور) بيان أصلها وحقيقتها: الأصل الأصيل في السبب: هو الحبل.
وبالمعنى الواسع للكلمة: هو الحبل القوي الطويل. (قالوا) : ولا يسمى الحبل سببًا، حتى يرتقى به وينحذر ثم زادوه بسطة، فقالوا: بل لا يطلق عليه ذلك، حتى يكون طرفه معلقًا بالسقف أو نحوه ومنه سمي الطريق سببًا، تشبيهًا بالحبل الطويل الممتد، ولأنه يمكن سالكه من الوصول إلى الموضع المراد.
ثم استعير (السبب) لكل شيء يتوصل به إلى غيره، ومنه قول الله عز ولج:{وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}[الكهف: ٨٤] أي: طريقًا موصلًا لكل شيء أراده. وقال العلامة الراغب الأصفهاني في (المفردات) : (معناه: أن الله تعالى آتاه من كل شيء معرفة وذريعة يتوصل بها. فأتبع واحدًا من تلك الأسباب) .
وعلى ذلك قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [غافر: ٣٦ ـ ٣٧] أي: لعلي أعرف الذرائع والأسباب الحادثة في السماء، فأتوصل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى (عليه السلام)(١) .
هذا، ومن العبارات الجارية على الألسنة، قولهم: أنت السبب في كذا، أي: أنت المسبب الأكبر، وقولهم: كان ذلك بسببك. أي: بسبب فعلك، ومن أجلك، ومن الأمثال السائدة: إذا عرف السبب بطل العجب.
(١) المفردات في غريب القرآن للراغب الصفهاني (سبب) والكليات لأبي البقاء الكعبري (سبب) ولسان العرب لابن منظور (سبب) وتفسير الكشاف للزمخشري في تفسير الآية (٨٤ ـ سورة الكهف) ، وتاج العروس للزبيدي (سبب) .