للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلام الشافعي في كتاب إبطال الاستحسان، وفي كتاب جماع العلم، وفي الرسالة كلها تلتقي على قضية واحدة هي أن الاجتهاد بالاستحسان وغيره من الوسائل التي لا تعتمد على نص ثابت، ومنها سد الذرائع، اجتهاد باطل لا يمت إلى الشرع بصلة (١) .

السبب الثاني: أن الشافعي يرى أن الشريعة تبنى على الظاهر، وأنه يجب أن لا نتجاوز في تفسيرها حكم النص الذي حصره في خمسة أشياء، ولهذا نجده يقصر مصادر الأحكام الشرعية على الكتاب والسنة والإجماع وأقوال الصحابة والقياس على النص، ولهذا رفض الاستحسان لأنه لا يعتمد على النص في عبارته ولا إشارته ولا دلالته بل يعتمد على ما ينقدح في نفس الفقيه الفاهم لأصولها وفروعها ومصادرها أو على روح الشريعة.

فيجب أن لا يتجه العلماء في تطبيقها إلى الباطن، وأن من حكم على الناس بالظن جعل لنفسه ما حذر الله تعالى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله عز وجل إنما يتولى الثواب والعقاب على المغيب، وكلف العباد أن يأخذوا بالظاهر، ولو كان لأحد أن يأخذ بباطن عليه دلالة، كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الظاهرية هي التي يتمسك بها أشد الاستمساك، وينهي فيها عن تظنن غايات أمور لم تكن قائمة ولا ثابتة وقت الفعل أو التصرف.

لأن الأخذ بذلك بالظن، والشريعة عنده ظاهرية تنظر إلى صورة الأفعال ومادتها لا إلى مآلاتها أو بواعثها، إذا لم يكن هناك دليل ظاهر إلى المآلات والبواعث.

وإن هذه النظرة تخالف نظرة الإمامين أحمد ومالك، فإنهما عند اتجاههما إلى الذرائع نظرًا إلى المآلات نظرة مجردة، ونظرًا إلى البواعث فمن عقد عقدًا قصد به أمرًا محرما واتخذ العقد ذريعة له فإن المآل والباعث يحرمان العقد فيأثم عند الله، ويكون العقد باطلًا؛ لأنه ربا. فيبطل سدا للذريعة (٢) .

ولذلك يبطل الشافعي حكم الازكان (الظن) من الذرائع في البيوع وغيرها ويحكم بصحة العقد، فالرجل إذا أراد أن ينكح امرأة ونوى أن لا يحبسها إلا يومًا أو شهرًا إنما أراد أن يقضي منها وطرا بدون أن يعلن عن نيته في العقد فالعقد صحيح لأنهما عقدا النكاح مطلقًا على غير شرط.


(١) سد الذرائع محمد هشام البرهاني ص٦٨١، الأم: كتاب إبطال الاستحسان ٣٠٩
(٢) أحمد ابن حنبل أبو زهرة ص ٣٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>