للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الشافعي: " إنه لا يفسد عقد أبدًا إلا بالعقد نفسه لا يفسد بشيء تقدمه ولا تأخره ولا بتوهم ولا بأغلب ظن، وكذلك لا يفسد كل شيء إلا بعقده ولا تفسد البيوع بأن يقول هذه ذريعة وهذه نية سوء.

ولو جاز أن نبطل من البيوع بأن يقال: متى خاف أن تكون ذريعة إلى الذي لا يحل، ألا ترى أن رجلًا لو اشترى سيفًا ونرى بشرائه أن يقتل به كان الشراء حلالا وكانت النية بالقتل غير جائزة ولم يبطل بها البيع؟ وكذا لو باع البائع سيفًا من رجل يراه أنه يقتل به رجلًا كان هكذا" (١) . ومعنى هذا الكلام أنه لا يفسده العقد للمآل الذي يؤدي إليه تنفيذه كما لا يفسده للنية.

ويقول في موضع آخر: " فإذا دل الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الإسلام على أن العقود إنما يثبت بالظاهر عقدها، لا تفسدها نية المتعاقدين، كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة أولى أن لا تفسد بتوهم غير عاقدها على عاقدها، ثم إذا كان توهما ضعيفًا والله أعلم" (٢) .

وفي هذا ترى الشافعي يستنكر الحكم بأن بيع السلاح في الفتن باطل لأنه لا يصح أن يتوهم على العاقد نية عنده إذا كان البيع صحيحًا عند تأكده نية نفسه، وهذا المعنى لم يقله أحمد ولا مالك رضي الله عنهما لأنهما نظرًا إلى المآل، ويطبق الشافعي نظره في العقد التي يقصد بها الربا أو يظن من عقدها أن المقصد بها الربا فحكم بأن الثمن إذا كان مؤجلًا وقبض المشتري العين كان له أن يبيعها إلى البائع بأقل من الثمن ولو كان نية الربا ثابتة في ذلك العقد بأن تكون النتيجة استدانة المشتري من البائع دينا وأداءه بأكثر منه، وأمارات الربا واضحة، ولكن ما دام لم يقترن بالعقد عند انشائه ما يدل على قصد الربا، فالبيع صحيح، وقد نص على صحته في الأم: " وإذا اشترى طعامًا إلى أجل فقبضه فلا بأس أن يبيعه ممن اشتراه منه ومن غيره بنقد وإلى أجل، وسواء في هذا المعين وغير المعين" (٣) ، أي سواء في ذلك ما يعين على الربا أو لا يعين على الربا، وسواء أكان ذريعة إلى محرم أم لم يكن لأن الشافعي نظر إلى الصورة الظاهرة وترك المغيب لله.


(١) الأم الجزء السابع ص٢٧٠، ابن حنبل لأبي زهرة ص ٣٢٦
(٢) الأم الجزء الثالث ص٣٣
(٣) الأم ٣: ٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>