للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغلو في سد الذرائع:

وبعض العلماء اعتبر الإفراط في تطبيق سد الذرائع ربما وصل إلى حد الغلو في كثير من الفروع في مذهب مالك، مما جعلهم يقدمون العمل بما جاء من سد الذرائع على ما اقتضاه النص الصريح ولذلك أمثله كثيرة منها:

١- ما نقل عن الإمام مالك رحمه الله من كراهيته لصيام ست من شوال (١) ، وقد ثبت استحبابه بالحديث الصحيح، عن أبي أيوب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فذلك صيام الدهر)) أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه، وأخرجه الطبراني وأحمد، ولفظه عند ابن ماجه: ((من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة، من جاء بالحسنة فهل عشر أمثالها)) .

كما أخرجه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها ورواه الدارقطنى عن البراء بن عازب رضي الله عنه (٢) . وهذا كله يؤدي استحباب صومها، وأنه لا ينبغي تركها لمحذور يمكن استدراكه بالتعليم، بل إن ترك صومها من ذي هيئة مقتدى به ذريعة مقابلة يلزم سدها حتى لا تؤدي إلى اعتقاد حرمة صومها، يقول النووي: " في حديث الباب دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة، وقال مالك وأبو حنيفة، يكره ذلك قال مالك في الموطأ: ما رأيت أحدًا من أهل العلم يصومها. قالوا فيكره، لئلا يظن وجوبه، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح إذا ثبتت السنة فلا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم يوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب" (٣) .


(١) انظر الاعتصام ٢/٢١١، والدسوقي على الشرح الكبير ١/ ٤٨٨ ـ ٤٨٩
(٢) تحفة الأحوذي ٣/ ٤٦٦
(٣) النووي على مسلم ٨/٥٦، وانظر المحلي لابن حزم ٧/١٧، وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>