للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون أثر هذا الاختلاف ظاهرًا في فروع كثيرة من أبواب الفقه الإسلامي.

المثال الأول: نكاح المريض مرض الموت.

فإن الإمام مالكًا رحمه الله يقول: إن النكاح غير صحيح: دليله على ذلك هو سد الذرائع، وذلك أنه يتهم المريض بأنه يقصد من نكاحه إلحاق الضرر بالورثة حيث يدخل وارثًا جديدًا عليهم، فيمنع منه حتى لا يتخذ من نكاحه هذا ذريعة للتشفي من الورثة، وإدخال الضرر عليهم، يقول ابن رشد: " واختلفوا في نكاح المريض. فقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز، وقال مالك في المشهور عنه إنه لا يجوز. وسبب اختلافهم تردد النكاح بين البيع وبين الهبة، وذلك أنه لا يجوز هبة المريض إلا من الثلث ويجوز بيعه، ولاختلافهم أيضًا في سبب آخر وهو: هل يتهم على إضرار الورثة بإدخال وارث زائد أو يتهم؟ وقياس النكاح على الهبة غير صحيح" (١) .

وقد ذهب جمهور الفقهاء، وهم الحنفية والشافعية والحنابلة، إلى صحة نكاح المريض على أن لا يتجاوز صداق المرأة مهر مثلها

أما جمهور الفقهاء فقد استدلوا بعدة أدلة تبيح نكاح المريض:

١- ما رواه نافع مولى ابن عمر أنه قال: كانت ابنة حفص بن المغيرة عند عبد الله بن ربيعة فطلقها ثم تزوجها مرة أخرى وهو مريض لتشارك نساءه في الميراث وأجازوا هذا العقد.

٢- القياس على صحة بيعه وشرائه، فكما أن بيعه وشراءه صحيحان فكذلك نكاحه ينبغي أن يكون صحيحًا.

٣- إن النكاح من الحوائج وذلك لأن بقاء النسل يتوقف عليه، والمرء غير ممنوع من صرف ماله في حوائجه الأصلية.

المثال الثاني: اختلف الفقهاء فيمن مات وقد وجبت عليه زكاة ولم يؤدها.

ذهب مالك وأبو حنيفة ـ رحمهما الله ـ إلى أنه إن أوصى بها لزم الورثة إخراجها من الثلث، وإن لم يوص بها لم يلزمهم بشيء (٢) .

واعتمادًا على سد الذرائع قال مالك بعدم لزوم شيء إذا لم يوص به؛ لأنه لو التزمت الورثة بذلك لأدى إلى أن يترك الإنسان زكاة ماله طول عمره اعتمادًا على أن الورثة سيخرجونها بعد موته، وربما يتخذ ذلك ذريعة للإضرار بهم.


(١) بداية المجتهد ج٢ ص ٤٩
(٢) العناية على الهداية ج٨ ص٤٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>