للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثامن

أمثلة لفتح الذرائع وسدها

أ - أمثلة لفتح الذرائع:

لقد تقدم لنا أثناء هذا البحث أن القرآن الكريم اتجه في تحقيق المصالح ودرء المفاسد ناحيتين:الأولى إيجابية، والثانية سلبية:

والإيجابية: تتمثل في أنها فتح لكل أبواب الخير، وإن شئت فقل: فتح الذرائع لكل خير وبر ومعروف؛ لأن الخير وصف يلزم كل أمر تمحض لمصلحة راجحة.

فما كان يؤدي إلى مصلحة فهو ذريعة، ويتجلى معنى فتح الذرائع في أن الله يوجب أمورًا لا لعينها بل لكونها وسائل وذرائع لأمور أخرى ثبت طلبه لها.

وشواهد فتح الذرائع كثيرة في القرآن والسنة والفروع الفقهية من ذلك:

١- السعي لأداء صلاة الجمعة والجماعة امتثالًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] .

وجه الاستدلال من الآية على فتح الذريعة: هو أن الله تعالى يأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة والسعي ليس وسيلة مقصودة لذاتها وإنما كان الأمر بوسيلة السعي إلى الصلاة لأنها ذريعة إلى إقامة الصلاة المفروضة كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] وكذلك الأمر بترك البيع عند النداء لصلاة الجمعة لتحصيل فريضة السعي إلى الصلاة.

٢- الأمر بإعداد القوة من السلاح والعتاد فالأمر بإعداد السلاح أمر واجب لا لذاته بل لتحقيق واجب هو القتال امتثالًا لقول الله تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: ٤١] .

٣- الأمر بالافاضة من عرفات امتثالًا لقول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٨ ـ ١٩٩] والإفاضة وسيلة لتحقيق مناسك الحج على الوجه المطلوب.

٤- جواز بيع رديء التمر بدراهم، وشراء جيده بتلك الدراهم، فقد كان عامل الرسول صلى الله عليه وسلم بخيبر يشتري صاعًا من الجنيب (وهو أجود التمر) بصاعين من الجمع (وهو رديئه) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا، فهذه الذريعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتحها.

٥- أباحت الشريعة دفع المال للعدو لتخليص الأسرى مع أن في دفع المال إليه تقوية له، وهي حرام؛ لأنه إضرار بالمسلمين لكن مصلحة الأسارى أعظم نفعًا، لأنها تقوية للمسلمين من ناحية أخرى.

٦- تسعير ما يباع في الأسواق من نحو الأقوات فإنه ذريعة إلى حماية العامة أن يغينوا ويغلي الباعة عليهم ما يحتاجون إليه في كل يوم، فالإذن بالتسعير فتح ذريعة إلى مصلحة اقتصادية لا يستهان بها.

٧- جواز حفر بئر في مكان لا يتضرر فيه غالبًا؛ لأن الفساد في حفرها يعتبر نادرًا، وبذلك كانت المصلحة في حفرها أرجح من احتمال ما قد يحدث نادرًا من سقوط أحد فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>