للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الخرشي فقد صدر شرحه لفصل المختصر المذكور بمنع بيوع الآجال التي عبر عنها المختصر " ومنع للتهم " وأيد العدوي هذا الحكم، ثم قال الخرشي: " كل ما قل القصد إليه لا يمتنع للتهمة إليه وإنما يمتنع صريحة" (١) .

قال ابن رشد في المقدمات تحت عنوان بيوع الآجال: أصل ما بني عليه هذا الكتاب " يعني كتاب بيوع الآجال " الحكم بالذرائع، ومذهب مالك رحمه الله القضاء بها والمنع منها، وهي الأشياء التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور ... إلى أن قال: ومنع الذرائع: الشافعي وأبو حنيفة، واصحابهما، ورجح ما ذهب إليه مالك لأن ما جر إلى الحرام وتطرق به إليه حرام مثله: وقال: " وأبواب الذرائع في الكتاب والسنة يطول ذكرها ولا يمكن حصرها " وأخذ يعدد الآيات والأحاديث التي تعرضت إلى أصل الذرائع ثم قال بالحرف: " والربا أحق ما حميت مراتعه ومنع منها لئلا يستباح الربا بالذرائع" وحصر ما ذكر من صور هذا الباب في ستة وثلاثين قال ابن المالكية منعت منها خمس عشرة مسألة ومن الأمثلة عليها.

١- أن يبتاع منه مثل طعامه وقد ناب عليه بأقل من الثمن نقدًا.

٢- والثانية أن يبيع له الطعام بثمن ثم يسترده من عنده بشراء مستأنف فيدفع له ثمنا أقل من الثمن الأول إلى آخر تلك الحالات التي أستوفت الذرائع التي يمكن أن يمرر منها البيع لحاضر بثمن، وإرجاعه للبائع بثمن أقل نقدا أو ببعض البضاعة المبتاعة، ويترتب ثمنها كله في ذمة البائع، وفي تلك الصور قال ابن رشد بتحريم المالكية لكلها (٢) ثم عدد ثلاث عشرة مسألة أخرى في بيوع الآجال قائلا أيضا أن المالكية منعوها سدا للذرائع، وهي كلها بيوع الآجال (٣) .

٣- وفي بداية المجتهد أن مالكا منع العوض بأي وجه من الوجوه على الإقالة، وخشي أن يكون ذلك ذريعة إلى قصد بيع الذهب إلى أجل وإلى بيع ذهب وعرض بذهب، وفي هذه الواقعة تسع مسائل اختلف منها في مسألتين، واتفقوا في الباقي، فمثل ما اختلف فيه حديث عائشة مع أم ولد لزيد ابن أرقم عندما باعت له عبدا بثمن إلى أجل ثم احتاج إلى الدراهم فاشترته من عنده بثمن أقل من الثمن الأول نقدًا، فلما أبلغت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذه المبايعة قالت لها بئس ما شربت، وبئس ما اشتريت أبلغي زيدا أنه أبطل جهاده مع رسول الله، فقالت المرأة أرأيت إن استرجعت ما خرج من يدي فقالت أم المؤمنين لا بأس فالله قال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٩] فهذا الحديث أخذ به مالك وأصحابه، ومنعوا هذا النوع من البيع، أما الشافعي فلم يثبت عنده شىء نم ذلك،وقال لابأس إنما هو بيع مستأنف،وأيضا فإن زيدا خالفها، وإذا اختلف الصحابة فالمبدأ عند الشافعي حينئذ هو القياس، وروي عن ابن عمر ما يؤيد رأي الشافعي (٤) . والصور التي يعتبرها مالك في الذرائع في هذه البيوع هي أن يتذرع منها إلى: أنظرني أزدك أو إلى بيع ما لا يجوز متفاضلًا، أو إلى بيع ما لا يجوز نساء أو إلى بيع وسلف، أو إلى ذهب وعرض بذهب أو إلى ضع وتعجل، أو بيع الطعام قبل أن يستوفى، أو بيع وصرف، فإن هذه هي أصول الربا (٥) ومن أمثلة الخلاف الحاصل في هذه الصور بيع الطعام بالطعام قبل القبض، فمالك وأبو حنيفة منعاه، وأجازه الشافعي والثوري والأوزاعي وجماعة، فمن كرهه شبهه ببيع الطعام نساء، ومن أجازه لم ير ذلك.


(١) الخراشي ج٥ ص ٩٤٢
(٢) مقدمات ابن رشد ص ٥٣٠
(٣) راجع الصفحة ٥٣٢، من نفس المرجع ط السعادة بمصر.
(٤) بداية المجتهد ج٢ ص ١٤٢
(٥) بداية المجتهد ج٢ ص ١٤٢ لابن رشد الحفيد

<<  <  ج: ص:  >  >>