الذرائع عند فقهاء المالكية: قال خليل بن إسحاق في المختصر: " ومنع للتهمة ما كثر قصده، كبيع وسلف، وسلف بمنفعة، لا ما قل: كضمان بجعل أو سلفني واسلفك، فمن باع لأجل ثم اشتراه بجنس ثمنة من عين وطعام وعرض " إلى آخر الفصل.
لقد تضمن صورا كثيرة من المبايعات التي تعقد وفق أحكام بيع جائز في الظاهر، لكنه يمكن أحد الطرفين من منفعة غير جائزة، كأن يحصل على منفعة درها عليه سلف، قال ابن عرفة: ومنع كل بيع جائز في الظاهر مؤد إلى ممنوع في الباطن كثر قصده فيمنع للتهم، كبيع وشرط سلف، وهو جائز في الظاهر لا خلاف في المذهب في منعه، أو سلف بمنفعة لما فيها من الزيادة، والنفوس مجبولة على حبها، ولا فرق بين أن يكون المتبايعان قصدا الممنوع وتحيلا عليه بالجائز في الظاهر أو لم يقصداه، وإنما آل أمرهما إلى ذلك. وفي التوضيح أن المتهم به كالدخول عليه إلا أن الداخل عليه آثم آكل للربا، وعند قول المختصر " لا ما قل " معناه لا يمنع البيع الجائز في الظاهر، خلاف داخل المذهب، ذكره عليش في شرح منح الجليل، وعزا لابن الحاجب بعد سرد ذلك الخلاف، أن ظاهر المذهب جوازه لبعد قصده، وهذا الذي رجحه المختصر بقوله " لا ما قل ".
ثم تعرض لبيوع الآجال فقال: وعن الجواهر أن المعتبر فيها ما خرج من اليد وما عاد إليها، فإن جاز التعامل، عليه مضى وإلا بطل، وبعد ضرب أمثلة كثير من الحالات التي يبدو فيها أنها تجعل العقد الظاهر وسيلة لتمرير النتيجة الفاسدة بين المتعاقدين قال:" إن وجدت في ذلك وجها محرمًا، أو أنهما عقدا عليه فسخت عقدهما، فامنع من هذا البيع لما تقدم من وجوب حماية الذرائع" ومن صور تلك المبيعات إذا باع المشتري السلعة لثالث ثم اشتراها البائع الأول من الثالث فيجوز، ألا يكون الثالث ابتاعه من المشتري الأول بالمجلس بعد القبض ثم ابتاعه الأول منه بعد في موضع واحد فيمنع لاتهمامهما بجعل الثالث محللا لابعاد التهمة عن نفسها، وقد فرع من هذه الصورة عدة تفريعات أجاب عنها بما نسب لابن القاسم: أنه من المكروه عند مالك ومنعه ابن رشد سدا للذرائع، وعن ابن القاسم في قول آخر أنه مكروه عند المالكية ويضرب عليه، وهذه البيوع التي أوصلها، تسعة عشر صورة كره منها خمسة عشر حالة (١) .