للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما سد الذرائع عند الأصوليين، فمنهم من جعله دليلا وأدخله في مصادر الفقه، فالقرافي في تنقيح الفصول جعل تلك المصادر تسعة عشر، وعد الذريعة في الرقم الثالث عشر (١) وكذلك عدها صاحب البهجة عند مالك فقال: ولم تزد تلك المصادر على ستة عشر من بينها سد الذريعة، ولا غرابة في هذه الأهمية عند مالك لأنه عرف تشبثه بالذرائع أكثر من غيره وتلك الأصول عند مالك هي: " القرآن الكريم يشتمل على خمسة من تلك المصادر وهي: نصه، وظاهره، وهو العموم، ودليله، وهو مفهوم المخالفة، ومفهومه، وهو باب آخر، ومراد مفهوم الموافقة، وتنبيه، وهو التنبيه على العلة كقوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (٢) [الأنعام: ١٤٥] ، ومن السنة مثل هذه الخمسة، والإجماع والقياس، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي، والاستحسان، والحكم بسد الذرائع، ومراعاة الخلاف".

والحقيقة أن مواقف الأصوليين من وصف هذا المبدأ لا يمكن من الحكم بإعطائه اسما معينا ننعته به، فمنهم من جعله مصدرا وهم الذين تقدموا ومنهم طائفة جعلته وصفًا، فابن تيمية جعلها قاعدة، وبين أن الأدلة عليها أكثر من أن تحصي، وذلك يثبته ما رأينا قبل عند تلميذه ابن القيم الذي أورد تسعة وتسعين أثرا جلها مرفوعا للنبي عليه الصلاة والسلام، أورد ابن تيمية ذلك في الجزء الثالث من فتاويه، واستطرد كثيرا من الآيات والأحاديث على أنها قاعدة من قواعد الفقه، فقال بأن شواهد هذه القاعدة أكثر من أن تحصى، أما الشاطبي اقتفاء، بأعمدة المذهب المالكي فقد جعلها أصلًا، والشيخ محمد أبو زهرة جعلها أيضا مصدرًا، هذا كله تأكيد على ما سبق أن قال القرافي بأن القول بسد الذرائع ليس من أصول المذهب المالكي وحده، بل إنها قاعدة، أو أصل، أو وصف متبع عند كل المذاهب، لكن الخلاف الحاصل هو في التوسعة أو عدمها عند كل مذهب على حدة، وهذا ما سنحاول أن نستخلص منه بعد الأمثلة في الفقرات التالية.


(١) تنقيح الفصول ص ٢٠٠ ط الثانية
(٢) كتاب سد الذرائع لمحمد هشام البرهاني ص ١٢٧ أخذا عن موسوعة جمال عبد الناصر الجزء النموذجي ١٦ وهو مثبت فعلا في المكان المذكور

<<  <  ج: ص:  >  >>