هذه نماذج من كثير من الوقائع التي كان سد الذريعة فيها محل إجماع عند كل الأئمة أتينا بها أثناء تحليلنا للأحكام العامة للذرائع لنبرهن بها على أن مبدأ الذرائع كأصل من أصول الفقه ليس عليه خلاف، وإن عدم المبالغة فيها أقرب إلى الإجماع، أما أحكام الذرائع عند المالكية والحنابلة فقد ذكرنا بعضها وسنبسط بعض القول فيها في الفقرات القادمة من هذا المبحث، لقد طبق ابن القيم سد الذريعة على كثير من أعمال الإنسان من عبادات ومعاملات، حتى أوصلها إلى ذلك العدد الذي أشرت إليه أعلاه ومن تلك الأمثلة حول سد الذريعة في المعاملات الجائزة حتى لا تسوق إلى تدليس أو غش قال:" الوجه الحادي والستون " أنه لا تتبع السلع حيث تباع حتى تنقل عن مكانها، وما ذاك إلا أنه ذريعة إلى جحد البائع البيع وعدم إتمامه إذا رأى المشتري قد ربح بها، فيغيره الطمع وتشح نفسه بالتسليم كما هو الواقع، واكمل هذا المعنى بالنهي عن ربح ما لم يضمن (١) ، وهذا من محاسن الشريعة وألطف باب لسد الذرائع.
(١) إعلام الموقعين لابن القيم ج٣ ص ١٤٩، وتجدر الإشارة إلى أنه يرفع النهي هنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم