للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه القواعد راجعة كلها إلى اعتبار مآلات الأعمال باعتبارها مقصدا شرعيا لازما في كل حكم على الإطلاق (١) .

وقد أفاض الشاطبي في بيان مسألة أن النظر في مآلات الأفعال معتبر ومقصود شرعا يشهد لذلك الاستقرار التام للأدلة الشرعية، وكم من عمل مشروع تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه لأنه يؤول إلى مفسدة، فقد أشير عليه صلى الله عليه وسلم بقتل من ظهر نفاقه فأبى وقال: ((أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)) ، كما أشير عليه صلى الله عليه وسلم بإعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال: ((لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم)) وكم من عمل غير مشروع ترك النهي عنه لما في ذلك من المصلحة، ومن أمثلة ذلك حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، فقد أمر بتركه حتى يتم بوله، وقال: ((لا تزرموه)) ؛ لأنهم لو نهروه وقطعوا عليه بوله لأعطوه صورة سيئة عن الغلظة بالمعاملة، ولحملوه على تلويث ثيابه وجسمه ولتعددت مواضع النجاسة بدل حصرها في موضع واحد.

ويختم الشاطبي المسألة العاشرة من كتاب الاجتهاد بهذه النتيجة فيقول: وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها، فإن غالبها تذرع بفعل جائز إلى عمل غير جائز، فالأصل على المشروعية لكن مآله غير مشروع، والأدلة الدالة على التوسعة ورفع الحرج كلها، فإن غالبها سماح في عمل غير مشروع في الأصل، لما يؤول إليه من الرفق المشروع، ولا معنى للإطناب بذكرها لكثرتها واشتهارها" (٢) .


(١) انظر: الشاطبي، الموافقات: ٤، ١٠٠-١٠٦ (ط. أولى تونسية ١٣٠٢ هـ) .
(٢) انظر: الشاطبي، الموافقات: ٤، ١٠٠

<<  <  ج: ص:  >  >>