للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمدار في هذا الموضوع: أن لا تكون المعاصي أسبابا للرخص، فلا يكون سفر قاطع الطريق مبيحا لقصر الصلاة ولا للفطر بخلاف ما إذا قارنت المعصية سبب الرخصة كمن اضطر لأكل الميتة وهو في سفر معصية، فإنه أكلها بسبب الاضطرار والخوف من تلف النفس وليس هذا بمعصية، وإن قارن هذا السبب معصية وهي السفر لقطع الطريق مثلًا.

وقد عقد القرافي تنبيهه الأخير من الفرق الثامن والخمسين فقال: تفرع على هذا الفرق فرق آخر وهو: الفرق بين كون المعاصي أسبابا للرخص، وبين كون المعاصي مقارنة لأسباب الرخص فإن الأسباب من جملة الوسائل، وقد التبس الأمر هاهنا على كثير من الفقهاء، فأما المعاصي فلا تكون أسبابا للرخص. ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر لأن سبب هذين السفر، وهو في هذه الصورة معصية، فلا يناسب الرخصة؛ لأن الأمر يؤول إلى تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها، وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمتنع إجماعًا، كما يجوز لأفسق الناس وأعصاهم التيمم إذا عدم الماء وهو رخصة، وكذلك الفطر إذا أضر به الصوم، والجلوس إذا أضر به القيام في الصلاة، ويقارض ويساقي ونحو ذلك من الرخص، ولا تمنع المعاصي من ذلك؛ لأن أسباب هذه الأمور غير معصية، بل هي عجزه عن الصوم ونحوه، والعجز ليس معصية، فالمعصية ههنا مقارنة للسبب لا سبب، وبهذا الفرق يبطل قول من قال إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها؛ لأن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره، فالمعصية مقارنة لسبب الرخصة، لا أنها هي السبب. اهـ. مع بعض التصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>