للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عبيد: وهذا أحب إلى من قول من لا يرى عليه شيئًا، ومن قول من يرى عليه زكاة عامة، وذلك لأن هذا المال وإن كان صاحبه غير راج له، ولا طامع فإنه ماله وملك يمينه، متى ما ثبته على غريمه بالبينة، أو أيسر بعد إعدام، كان حقه جديدًا عليه، فإذا أخطأه ذلك في الدنيا فهو له في الآخرة، وكذلك إن وجده بعد الضياع كان له دون الناس، فلا أرى ملكه زال عنه الوجدان، فكيف يسقط حق الله عنه في هذا المال، وملكه لم يزل عنه؟ أم كيف يكون أحق به إن كان غير مالك له؟ فهذا القول عندي داخل على من رآه مالًا مستفادًا.

وأما الداخل على من رأى عليه زكاة عام واحد فأن يقال له: ليس يخلو هذا المال من أن يكون كالمال يفيده تلك الساعة على مذهب أهل العراق فيلزمك من ذلك ما لزمهم من القول، أو أن يكون كسائر ماله الذي لم يزل فعليه الزكاة لما مضى من السنين، كقول علي وابن عباس.

فأما زكاة عام واحد فلا نعرف لها وجهًا، وليس القول عندي إلا على ما قالا، يزكيه لما مضى، وإنما يسقط عنه تعجيل إخراجها من ماله في كل عام، لأنه كان يائسًا منه، فأما وجوبها في الأصل فلا يسقطه شيء ما دام لذلك المال ربا. (١)

رأى ابن حزم وتعقيبه على الآراء المخالفة:

يرى ابن حزم أن الدين يزكيه المدين إذا كان حاضرًا عنده منه ما يبلغ النصاب، وأتم عنده حولًا، ولا تجب في غير الحاضر، ولو أقام عليه سنين.

ويعلل هذا بقوله:

إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده، ومن الباطل المتيقن أن يزكى عن لا شيء، وعما لا يملك، وعن شيء لو سرقه قطعت يده، لأنه في ملك غيره. (٢)

أما الدائن فلا زكاة عليه حتى يقبض الدين ويتم عنده حولًا:

يقول ابن حزم:

ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالًا أو مؤجلًا عند ملئ مقر يمكنه قبضه أو منكر، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء، ولا زكاة فيه على صاحبه، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولًا كسائر الفوائد ولا فرق، فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، لا حينئذ ولا بعد ذلك، الماشية والذهب والفضة في ذلك سواء. (٣)

وأيد مذهبه بما روي عن عائشة وعطاء وابن عمر: "ليس في الدين زكاة"، وبأن لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط، وليس عنده عليه مال أصلًا، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد، والفضة تراب بعد، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته؟ (٤)


(١) الأموال ٤٢٩ - ٤٣٥
(٢) المحلى ٦/١٣١ و ١٣٤
(٣) المحلى ٦/١٣١ و ١٣٤
(٤) المحلى ٦/١٣١ و ١٣٨ و ١٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>