للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سد الذرائع وفتحها:

قال الإمام القرافي رحمه الله: واعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، ويكره، ويندب. ويباح: فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج. غير أن الوسائل أخفض مرتبة من المقاصد، وهي أيضا تختلف مراتبها باختلاف مراتب المقاصد التي تؤدي إليها.

فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة (١)

. والوسيلة إما أن تكون:

١- توسلا بالخير إلى الخير كالنكاح المتخذ وسيلة للإنجاب، والصدق وسيلة للنجاة.

٢- توسلا بالشر إلى الشر كشرب الخمر المتخذ وسيلة لارتكاب جريمة وكإلقاء النار في موضع سريع الاشتعال.

٣- توصلا بالخير إلى الشر كالتوسل بالبيع إلى الربا، وبزراعة العنب إلى صنع الخمر.

٤- توصلا بالشر إلى الخير كسرقة المال واغتصابه لعمل خيري من مستشفى أو مدرسة.

فيدخل في معنى الذريعة ما يلي:

١- الانتقال من الجائز إلى مثله.

٢- الانتقال من المحظور إلى مثله.

٣- الانتقال من الجائز إلى المحظور.

٤- الانتقال من المحظور إلى الجائز.

ويتصور فيها الفتح والسد. فيقال فتح الذرائع، ومعناه: إجازة الوسائل المؤدية إلى خير وبر ويقال سد الذرائع. ومعناه: منع الوسائل المؤدية إلى كل شر وفساد ومنكر. والقرافي والشاطبي رحمهما الله يقرران هذا المعنى في سد الذرائع وفتحها بإعطاء الوسيلة حكم المقصد.

ويقول ابن القيم رحمه الله: (لما كانت المقاصد، لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها، معتبرة بها، فوسائل المعاصي والمحرمات في كراهتها، والمنع منها، بحسب إفضائها إلى غايتها، وارتباطاتها بها.

ووسائل الطاعات والقربات في محبتها، والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها. فوسائل المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات وهي مقصودة قصد الوسائل.

فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه، فإنه يحرمها، ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ومنعا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء) (٢) .


(١) انظر شرح تنقيح الفصول للقرافي: ٤٤٩؛ سد الذرائع: ٤٠
(٢) إعلام الموقعين جـ ٣/١٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>