بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كما تفضل فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي من أن حديثنا اليوم إنما هو حديث في الأصول لا في الفروع، فإني أريد أن أقصد بعض ما يتعلق بهذا المبدأ الذي تحدث به لأرتب عليه ما أريد أن أرتبه.
معلوم أن المدارس الاجتهادية بينها أصول متفق عليها، وهناك أصول مختلف فيها عبر عنها الإمام الغزالي بقوله: الأصول الموهومة. واعتبر سد الذرائع من تلك الأصول الموهومة التي لا يستند إليها، فيصبح أصل بحث موضوع سد الذرائع هو في أصل من الأصول التي يعتمدها المجتهد أو لا يعتمدها المجتهد. فهي ليست في يد كل شخص يتحدث بها ويستند إليها في إسناد الحكم ولكنه لا يجوز لشخص أن يقدم على الاعتماد على سد الذرائع إلا إذا كان مجتهدا في إحدى رتب الاجتهاد لا حافظا من حفاظ المذهب. وهذه النقطة التي أردت أن أثيرها اليوم لأن هناك أصلين قد وقع الاعتماد عليهما من أهلهما ومن غير أهلهما وهما الضرورة وسد الذرائع. فالضرورة اعتمدها كثيرون في إباحة ما حرمه الله، وسد الذرائع اعتمده كثيرون في تحريم ما أحله الله، وذلك لأنه إذا لم يكن للفقيه المشتبه الذي يستطيع به أن يلم بأطراف الشريعة إلماما يجعله مدركا إدراكا واضحا لمقاصد الشارع فإنه لا يجوز له أن يستند لا إلى هذا الأصل ولا إلى الأصل الآخر، ثم إن المنهج في البحث هذا الذي أريد وتحدثت عنه قبل، وأصل كلامي من قبل بكلامي اليوم هو أن حديثنا دائما عن الأمثلة التي أتى بها المجتهدون وأتى بها الفقهاء في كتبهم، فهذه تصلح للتدريس لتلاميذ الجامعة، فقضية الزكاة التي ذكرناها أكثر من مرة وأعدنا فيها الكلام هذه قضية كان لها مكان يوم كانت الدولة هي التي تجمع الزكاة، فكان يريد أحدهم أن يخرج من الزكاة بهذه الحيل ولكنها انتهت اليوم فمن أراد أن يخرج الزكاة أخرجها ومن لم يدفعه دينه وخوفه من الله أن يخرج الزكاة فهو لا يبحث عن أية حيلة من الحيل ولا أية طريقة من الطرق لإبطال الزكاة عليه. فلذلك القضية اليوم نحن أمام حيل كثيرة أو ذرائع كثيرة استخدمت للفساد، فهلا تتبع الباحثون ما يجري في البنوك الإسلامية؟ ما يجري في كثير من البنوك الإسلامية أن كثيرا من العقود ظاهرها صحيحة ولكنها من قبيل الذرائع الفاسدة، فهلا وقع من السادة الباحثين تتبع لبعض هذه القضايا وبيان الذرائع الصحيحة والذرائع الفاسدة، وما يقبل وما لا يقبل؟.
من الذرائع التي كان من الحق أن نذكرها هي الجمع بين العقود فالجمع بين العقود الأصل أن كل عقد على انفراد هو جائز، لكن جمع عقدين في عقد واحد، هذا وقع منعه في كثير من المذاهب وعددت العقود في قول ابن عاصم:
وجمع بيع مع شركة ومع
جعل وقراض امتنع
هذا، جمع العقود هل يعتبر ذريعة للربا والفساد أم لا؟ فهذه قضايا أساسية تعترضنا كفقهاء، والباحث الذي نظر في موضوع سد الذرائع حبذا لو أتانا بهذا
النظر الذي يصل بالأصول إلى الواقع حتى يجلي طريقة استخدام هذا الأصل في التفقه.
وفي بداية كلمتي لابد أن أذكر أنني أثني على ما قاله أخي فضيلة الشيخ عجيل النشمي فأنا معه فيما ذكره.
بقيت قضية دخلت في الواقع في كلام فضيلة الشيخ من أن الاستناد إلى (القطعي والظني) وأن الظن لا ينسب.. يا سيدي لو أردنا أن نبحث عن الأحكام المقطوع بها، بمعنى أنها استندت إلى نص مقطوع به. فإن السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام الأحاديث المقطوع بها هي قليلة، المتواتر منها قليل ثم إن النص القرآني الكريم في فهمه ونفي الاحتمالات العشر هو مما يجعل أن المقطوع به يكاد يكون قليلا جدا في ذات القرآن من حيث فهم الفقيه النص القرآني، ونحن نطلق التحريم والتحليل والجواز والكراهة والإباحة نطلق ذلك على أساس الظنون وما كلفنا إلا بالظن؛ لأن من يستطيع أن يقول إن الله –تعالى- قصد هذا قطعا ١٠٠ % هذه جراءة على الله فنحن نعتمد الظن وهذه هي الطاقة التي مكن الله منها المجتهد الذي لا يصل إلى أكثر من الظن. فلهذا أردت أن أبين إلى أن هذه القضية أن قضية الظن غير مقبولة وإلى آخره هو أننا نريد تدقيقا أكثر وأن ما كلفنا به هو الظن. وشكراً،