أعتقد هذه العبارة حسب الشرح الذي سمعناه ليست مقصودة، إلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها لا توصل إلى الحرام بما يغلب توصيله إلى الحرام هذا غير صحيح وليس هذا مراد الشاطبي لأن الفقهاء نصوا على أن النادر لا حكم له. وفي هذا قال الشاطبي أيضا وهذا من بحث الدكتور وهبة، يقول: ما يكون أداؤه إلى المفسدة نادرا –وسمعناه الآن- كحفر بئر بموضع لا يؤدي غالبا إلى وقوع أحد فيه هذا مباح باق على أصله من الإذن فيه. وورد أيضا رد لهذا في بعض الأبحاث نقل عن التاج السبكي، قال: قال الشيخ الإمام يعني والده، وهذا بعد أن ذكر العبارة بأن النادر الذي قطع بأنه لا يصل إلى الحرام بالغالب الموصل إليه –قال: وهذا غلو في القول بسد الذرائع.
الملاحظة الثانية، بالنسبة لتحرير محل النزاع، وهذه القضية التي أعتقد أنها مهمة وكثير من الأبحاث أو تقريبا الأبحاث التي اطلعت عليها لم تحرر محل النزاع تحريرا واضحًا. سأختار ما ذكره الدكتور وهبة في تحرير محل النزاع الذي ورد في بحثه، يقول في تحرير محل النزاع: الترجيح، إن الموضوع المختلف فيه، وهو المباح الذي يتذرع به إلى المفسدة، أرى أنه ينبغي فيه سد الباب أمام المحتالين والمفسدين الذين يحاولون التحلل من قيود الشريعة وأحكامها، فإن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح ودرء المفاسد. هذا النقل الموجود أقول إنه ينبغي أن لا نتقيد بإطلاق هذا اللفظ المباح مطلقًا، المباح الذي يتذرع به إلى المفسدة ينبغي فيه سد الباب إلى آخر العبارة. ثم قال: مذهب المالكية، وهو يريد أن يرجح مذهب المالكية. وبهذا يكون مذهب المالكية والحنابلة ويقاربهم الحنفية في هذه المسألة أسد وأحكم والعمل به أوجب وألزم. أعتقد أن مذهب المالكية في محل النزاع هذا يحتاج إلى شيء من التوضيح. فمذهب المالكية فيما يبدو من العبارات المنقولة أن الجائز أو المباح في محل النزاع ليس على إطلاقه وليس كل مباح يتذرع به إلى المفسدة يسد بابه وإنما المراد الجائز أو المباح إذا كثر قصد الناس إلى التوصل به إلى الممنوع، هذا الذي ينبغي أن يبطل ويسد بابه، وهذا ما قالوه في بيوع الآجال وهي محل النزاع، قالوا إن البيوع إن كانت على بيع جائز في الظاهر إلا أنها لما كثر قصد الناس إلى التوصل إلى ممنوع في الباطن كبيع بسلف أو سلف بمنفعة منعت قياسا على الذرائع المجمع على منعها بجامع أن الأغراض الفاسدة في كل هي الباعثة على عقدها لأنها المحصن لها. ولذلك قال القرافي: إذا لم تكن الأغراض الفاسدة هي الباعثة على العقد فلا يمنع. وأيضا قال: كل مباح أفضى إلى المفسدة غالبا أعتقد أن محل النزاع هو ما حرره الشاطبي في القسم الرابع، قال: كل فعل مأذون فيه بالأصل ولكنه طرأ عليه ما جعله يؤدي إلى المفسدة كثيرا لا غالبًا. هذا محل النزاع. وأيضا حرره بقريب منه ابن القيم حينما قال: بقي الخلاف –أي تحرير محل الخلاف- قائما في الوسيلة الموضوعة للمباح ويقصد بها التوصل إلى المفسدة وكذا بالنسبة للوسيلة الموضوعة للمباح أيضا من غير قصد التوصل بها إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها. وهذا هو المعنى الخاص بالذريعة عند الأصوليين وعند الفقهاء.