للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧- غير أن الدعوة إلى المعروف قد لا يستجاب لها، والعفو عن الحق أو التسامح فيه قد لا يقبل، فيستحكم النزاع، ويتطلب الأمر حسمًا عاجلًا حتى لا تتفاقم الأخطار، وفي ذلك يأمر الإسلام بالسعي إلى الصلح بين الطرفين المتخاصمين، فالله تعالى يقول: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:١١٤] ، ويقوله سبحانه: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: ٩] ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسعى إلى الإصلاح بين المتخاصمين إذا تنازعا إليه، فقد روي أنه حين تنازع إليه كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، في دين كان على ابن أبي حدرد، أصلح رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بأن استوضع من دين كعب الشطر، وأوجب على غريمه قضاء الشطر الباقي (١) . كما روي أيضًا أنه عندما تنازع عنده صلى الله عليه وسلم رجلان في مواريث لهما، قال عليه الصلاة والسلام: ((اذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل منكما صاحبه)) . . . . (٢)

٨- فالمصلح بين المتنازعين هو أول درجات الوفاق بينهم، وهو وإن كان من شأنه أن يحسم الخصومة، إلا أنه قائم على الاتفاق بينهم أنفسهم، أو بين من يمثلونهم، ويتم عن طريق نزول كل منهم عن بعض ما يتمسك به، ولا يقبل التنفيذ بذاته بحسب الأصل، ما لم يرتض الطرفان تنفيذه اختيارًا، وهو غير صالح لحسم بعض الخصومات كالحدود والكفارات ونحوها من حقوق الله تعالى، وذلك كله – من شأنه – ألا يجعل من الصلح أداة طيعة في حسم الخصومات، فضلًا عن أنه إذا وضح الحق أمام الساعين للتوفيق، وكان في جانب أحد المتخاصمين وحده، فإن الصلح لا يكون له محل؛ لأنه لن ينطوي على تنازل كل خصم عن بعض حقه، وإنما سيتمخض في تنازل خصم واحد دون الآخر.

ومن ثم فإنه يجب أن تكون هناك بدائل لها الصلح يستعان بها إذا عز الالتجاء إليه، أو تبين أنه غير صالح لإنهاء الخصومة الناشبة بين الطرفين.

وقد يكون من أوائل هذه البدائل، أن يتم الكشف عن حكم الله في موضوع المنازعة، لعل الباغي أن يرعوي ويعود إلى جادة الصواب، على ضوء حكم الله الذي يبينه له من يثق فيه، فإذا لم يكن مفر من حمل الباغي على التنفيذ جبرًا، فليس هناك سوى الاتفاق على حكم يختاره الطرفان للفصل بينهما بحكم ملزم، أو الالتجاء إلى القاضي المولى من جهة الدولة، ليقضي بينهما فيما اختلفا قضاء يمكن تنفيذه جبرًا.


(١) صحيح مسلم بشرح النووي: ج ١٠،ص ٢٢٠؛ سنن النسائي: ج ٨، ص ٢٣٩، سنن ابن ماجه: ص١٧٧.
(٢) سنن الدارقطني، ج ٤، ص ٢٣٩؛ نيل الأوطار: ج ٥، ص ٦٧، ٢٦٩؛ سنن أبي داود: ج ٣، ص٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>