للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالبدائل – إذن – ثلاثة:

أولها: الكشف عن حكم الله من ثقة، دون حمل لأي من المتنازعين على اتباع هذا الحكم، وهذا طريق الإفتاء.

ثانيهما: الكشف عن حكم الله على يد من يختاره الطرفان للفصل بينهما ويقبلان أن يكون حكمه ملزمًا، وهذا طريق التحكيم.

ثالثها: الكشف عن حكم الله على يد القاضي الذي عينه ولي الأمر، وعهد إليه بالفصل في منازعات الناس التي ترفع إليه، وهذا هو طريق القضاء.

فالإفتاء، والقضاء، والتحكيم، جميعًا وسائل شرعت لإنهاء المنازعات التي لم تنته صلحًا، ويمتاز التحكيم بينها بأنه قائم على الرضا بين الطرفين وأنه – في ذات الوقت – ملزم لهما – فلا يملكان – حسب الأصل – فكاكًا من تنفيذ ما ينتهي إليه، أما الإفتاء فهو غير ملزم، وأما القضاء فإنه وإن كان ملزمًا إلا أنه قائم على ولاية شرعية، يمنحها ولي الأمر، ولا شأن لرضا الطرفين بسلطتها.

٩- وللتحكيم من اسمه في اللغة والشرع نصيب:

فهو في اللغة إطلاق اليد في الشيء، أو تفويض الأمر للغير يقال: حكمت فلانًا في مالي تحكيمًا إذا فوضت إليه الحكم فيه، ويقال: حكموه فيما بينهم إذا أمروه أن يحكم في الأمر، أو جعلوه حكمًا بينهم، والمحكم، والحكم، والمحتكم إليه، هو من يفوض إليه الحكم في الشيء (١)

أما معناه في الشرع فيدور حول اتفاق أطراف الخصومة، على تولية من يفصل في منازعة بينهما، بحكم ملزم، يطبق فيه شرع الله (٢) .

وبذلك يمتاز التحكيم عن الفتيا وعن القضاء، فيتفق مع كل منهما في أمور، ويختلف عنهما في أمور أخرى.

١٠- - ومما يتفق فيه التحكيم والفتاوى -: أن كلا منهما يبحث عن حكم الله في المسألة المعروضة، فالمحكم يكيف الواقعة، ثم ينزل عليها حكم الله، ويحكم بمقتضاه بين الخصمين المتحاكمين إليه، والمفتي يستجلي أركان الواقعة التي يستفتى فيها، ثم يبحث عن حكمها في القرآن الكريم والسنة المطهرة وفي الأدلة الشرعية الأخرى، ويخبر من يستفتيه بالحكم الذي ينتهي إليه اجتهاده (٣) .


(١) ترتيب القاموس المحيط، جزء أول، ص ٦٨٥، ومختار الصحاح ص ١٤٨؛ وأساس البلاغة للزمخشري ص ١٩٠
(٢) جرى كثير من الفقهاء الإسلاميين عند الكلام على التحكيم على الاكتفاء بشرح معناه، ومن ذلك ما قاله المغني: (إذا تحاكم رجلان إلى رجل حكماه بينهما ورضياه، وكان مما يصلح للقضاء فحكم بينهما جاز) ج ١١، ص ٤٨٣. وقال ابن فرحون: (إن الخصمين إذا حكما بينهما رجلًا من الرعية ليقضي بينهما جاز) تبصرة الحكام ج ١، ص ٤٣، وقال الباجي: (ولو حكم رجلان بينهما رجلًا فقضى بينهما فقضاؤه جائز) المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، الجزء الخامس ص ٢٢٦.
(٣) الإفتاء في اللغة الإبانة والإظهار – وفي الاصطلاح – وفق ما اختاره الدكتور – محمد سليمان الأشقر – ونؤيده فيه هو: (الإخبار بحكم الله تعالى باجتهاد عن دليل شرعي لمن سأل عنه، في أمر نازل) . ص ١٣ من كتابه (الفتيا ومناهج الإفتاء) ، دار النفائس للنشر والتوزيع بالأردن

<<  <  ج: ص:  >  >>