للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيام عمل كل من المحتكم إليه والمفتي على البحث عن حكم الله تعالى، يجعل لهما منزلة رفيعة عالية مهيبة الجانب، فالعمل عظيم الأجر، خطير الأثر في ذات الوقت؛ وذلك لأن في إدراك الحكم الواجب والإرشاد إليه بالغ المثوبة في الدنيا والآخرة، لما فيه من كشف عن الطريق الحق الذي أوجب الحكيم العليم اتباعه، وعاقب على تجنبه؛ ولأن الخطأ في التعرف على هذا الحكم خطير الأثر، إذ سيدفع المحتكم إليه أو المستفتى إلى غير الطريق القويم، بما قد يؤدي إلى هدم بيوت أذن الله أن ترفع، أو سلب أموال بالباطل أو تعريض الأنفس والأعراض للإيذاء والهتك على غير مقتضى العقل والشرع.

على أنه مادام المستهدف في التحكيم والإفتاء هو حكم الله، فإنه يفترض – إذا ما صدرا في موضوع واحد – أن لا يتعارضا، فإن تعارضا وكانت الفتوى هي التي تبنت الطريق الصحيح فلا مشكلة في الأمر، إذ إنها بطبيعتها غير ملزمة، أما إذا كان العيب في الحكم الصادر عن التحكيم، بأن كان مخالفًا لنص في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو لإجماع أو لقياس جلي، فإنه يجب نقضه، وتكون الفتوى الصحيحة هي سند هذا النقض، وينبغي للمفتي – في هذه الحالة – أن يبين لصاحب الشأن أن العبرة بحكم الله لا بما قضى به حكم التحكيم، وذلك على نحو ما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم تختصمون إلى رسول الله، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار ويأتي بها إسطامًا في عنقه يوم القيامة)) . . . . (١) .

أما إذا كان مصدر الخلاف بين حكم التحكيم والفتوى هو الاجتهاد، فإن حكم التحكيم هو الذي ينفذ، إذ لا ينقض الاجتهاد بمثله (٢) .


(١) لهذا الحديث روايات متقاربة واللفظ لأبي داود. سنن أبي داود: ج ٣ ص ٤١، البخاري مع فتح الباري: ج ١٣ ص ١٣٤؛ مسند الإمام أحمد: ج ١٥ ص ٢١٤
(٢) في تفصيلات الآثار على تغير الحكم – الدكتور محمد سليمان الأشقر – الفتيا ومناهج الإفتاء- ص ١٣٧ – ١٤٢ – مرجع سابق – الدكتور محمد نعيم ياسين: حجية الحكم القضائي بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، ص ٢٨ – ٢٩ – مرجع سابق – المستصفى من علوم الأصول للإمام أبي حامد الغزالي: المجلد الثاني ص ٣٨٢، الطبعة الأولى

<<  <  ج: ص:  >  >>