للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذه المنارات الشامخة من عمل الرسول وهديه لا بد من النظر فيما كتبه الفقهاء في هذا الشأن في مسألة الاحتكام إلى المحكمة الدولية:

أولًا: إذا كان النزاع خاصًّا بالمسلمين فإن كانت بشأن معاملات مالية وخلافات على عقود تجارية فهذا النوع أمره هين ولا يثير معضلة؛ لأن أثره وإن كان سلبيًّا فهو محدود، وأما إن كان بشأن خلافات ذات طابع حربي كتلك الخلافات التي تنشب بين دولتين متجاورتين على الحدود أو بعض المقاطعات (كالخلاف الحاصل بين البحرين وقطر) فإن طرحها على المحكمة الدولية باعتبارهما عضوين في الأمم المتحدة مما لا تأباه الشريعة ولا يصطدم مع مبدأ من مبادئها باعتباره أحد بنود العقد وإن كان الأولى حلها عن طريق جماعة المسلمين والمنظمات الإقليمية كمنظمة المؤتمر الإسلامي أو جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون، لأن هذه الأمور تلتقي مع أهداف المنظمة الدولية في إنشاء منظمات إقليمية تسهم في إقرار السلام والمحافظة على الأمن في المناطق التي توجد فيها وقد أفرد ميثاق الأمم المتحدة (الفصل الثامن) لهذه المنظمات جاء فيه (ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام منظمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحًا فيها ومناسبًا ما دامت هذه المنظمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها (١) ومن المنظمات الإقليمية القائمة الآن: اتحاد الدول الأمريكية – جامعة الدول العربية، منظمة الوحدة الأفريقية (٢) منظمة المؤتمر الإسلامي.

أما إذا استعصى على الحل أو عجزت هذه المنظمات عن إيجاد حلول يقبل بها الطرفان المتنازعان فلا حرج في هذه الحالة إن هي التجأت إلى المنظمات الدولية الأعلى شأنًا مثل المحكمة الدولية؛ لأن هذا إضافة إلى ما سبق بشأن جواز التعاقد فإنه أيضًا من قبيل الاستعانة بغير المسلم.

والاستعانة بغير المسلم إما تكون على مسلمين ظالمين باغين أو على غير مسلمين.

أما الانتصار بهم على الباغين الظالمين ففيها ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يجوز، وهو قول جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة (٣) .


(١) القانون الدولي العام لعلي أبو هيف ص ٧٠٠
(٢) القانون الدولي العام لعلي أبو هيف ص ٧٠٠
(٣) قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ص ٣٩٣؛ نهاية المحتاج جـ ٧ / ٣٨٧؛ المغني ج ـ ١٠ / ٥٧، ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>