المبحث الرابع: تفنيد الخلاف الحادث في هذه المسألة.
كما رأينا من فرع حكي فيه الخلاف ثم يتبين عند التحقيق عدم ثبوته عن المخالف وهذا كثير في مسائل فرعية. ومنه في الصيام: حكاية الخلاف في صوم يوم الشك حيث عزاه ابن قدامة وعنه ابن الجوزي رحمهما الله تعالى لنحو عشرة من الصحابة رضي الله عنهم، ونحوهم من التابعين، ثم بين العراقي وغيره ضعف الرواية في ذلك عن عدد مهم. وفي غير الصيام ما يروى عن جماعة كثيرين من الصحابة التابعين! أنهم خضبوا بالسواد، وقد أبان الحفاظ منهم ابن القيم في (الهدي) أن في الروايات عنهم ضعفًا وانقطاعًا وهكذا.
وفي هذه المسألة: لا يعرف فيها خلاف صحابي بل حكى إجماعهم، وقد حكى الخلاف فيها عن:
١- الشافعي.
٢- وابن سريج.
٣- ومطرف بن عبد الله بن الشخير.
٤- ومحمد بن مقاتل.
٥- وابن قتيبة.
وقد استقرأ ابن تيمية رحمه الله تعالى: أن الخلاف الحادث في الجواز مقيد بأمرين في: حال الإغمام، وللحاسب فقط لا يتعداه إلى غيره كما تقدم قريبًا.
وسيتبين من التقييد الآتي: إنه حصل الغلط في هذا الخلاف على القائل به وفي نوعه فابن سريج وابن خويز منداد غلطا في حكايتها ذلك على الشافعي وأن ابن سريج الشافعي بنى قوله على غلطة على إمامه، وأن بعض الشافعية غلط أيضًا ابن سريج في حكايته لقوله. وأن مطرف بن عبد الله لا يصح عنه، وأن محمد بن مقاتل الرازي صاحب محمد بن الحسن الشيباني ضعيف. وأن ابن قتيبة ليس من أهل هذا الفن، وأن بعض أهل العلم غلط في حكايته نوع الخلاف حيث أطلق ولم يقيد. وعليه: فتبقى حكاية الإجماع إن قبلناها قائمة، وإلا فعدم وجود المخالف في القرون المفضلة خلاف معتبر. وبيان ذلك على ما يلي:
١-الغلط على الشافعي رحمه الله تعالى: قال ابن رشد في بداية المجتهد: "حكى ابن سريج عن الشافعي أن من كان من مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر، ثم تبين له من جهة الاستدلال أن الهلال مرئي وقد غم، فإن له أن يعتقد الصوم ويجزئه" اهـ.