للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشريعة الإسلامية مبنية على مراعاة المصلحة في جمع المعاملات الإنسانية؛ لأن غايتها تحقيق السعادة الدينوية والأخروية للجميع، ولذلك فالمصلحة لا تعني النفع الذي يناله الإنسان الفرد، أو تناله الجماعة عن عمل مناقض للدين، أو مضر بمصلحة أخرى، بل كلما كانت المصلحة أعم وأشمل كان الإقرار بها أهم، ولذلك اعتبر علماء الأصول سد الذرائع ودرء المفاسد، أصلًا من أصول الشريعة التي وضعها الإسلام لمعرفة المصلحة الحقيقية من المصلحة المتوهمة، ولا مجال لتعارض المصالح في الإسلام حيث يوجد معيار وصفي دقيق يراعي الأولوليات بين المصالح العامة بحسب تدرجها من حيث الأهمية.

ويذكر الشاطبي في الموافقات أن بالاستقراء للأحكام العامة والجزئيات في الشريعة الإسلامية، يلاحظ المتتبع لذلك مراعاة الخالق جل علاه لمصالح عباده، فهي بارزة في أحكام الشريعة كلها، كما يلاحظ المتتبع لمنهاج القرآن والسنة في عرض الأحكام الشرعية أن الشريعة الإسلامية استدراجية للوصول إلى هدفها الأسمى في تحقيق العدل، تتوخى طرقًا متعددة للوصول إليه. فهي تنهج طريق محاسبة النفس ومساءلتها، قبل أن ترقى إلى الاستفتاء الشرعي، ثم التحكيم؛ لتجعل القضاء آخر المطاف، فهي المحاسبة والتبصر في الأمر والتبين له، والإرشاد إلى وجوب تجنب لحظات الغضب والانفعال؛ لئلا يخطئ الإنسان في تقدير القضية. وقد نص الفقهاء على أن تفاهة الموضوع ولحظات الغضب والانفعال والاندهاش، تعتبر من مبررات سقوط الدعوى أو تأجيل النظر فيها، بل إن الشارع حفاظًا على العلاقات الاجتماعية لا يلجأ إلى قسوة الحكم لدى تنفيذه، فهو يتجاوز عن بعضه مع الإرشاد إلى استكماله، لو بدت أسباب لاستكماله الشرعية فيما بعد. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرأ الحدود بالشبهات، وعليه عمل الصحابة ورأي جمهور الفقهاء (١) .


(١) رويت أحاديث من عدة طرق، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ما معناه: (ادرءوا الحدود بالشبهات) راجع فقه عمر بن الخطاب، رويعي بن راجح الرحيلي، ١ / ٤٣٨ ط. دار الغرب الإسلامي. بيروت ١٤٠٣ هـ راجع أيضًا الفتح الرباني شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل، للساعاتي: أحمد البنا. ط. بيروت باب الحدود تدرأ بالشبهات ١٦ / ٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>