للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- موضوعات التحكيم:

إن الأقضية إذا كانت متعلقة بحق الله كالحدود، أو كان حق الله فيها غالب كالقصاص، أو تعلقت بحقوق غير المتخاصمين كالنسب، لا يجوز فيها التحكيم، لذلك أجاز المالكية التحكيم إلا في ثلاثة عشر موضوعًا وهي: الرشد، والسفه، والوصية، والحبس، وأمر الغائب، والنسب، والولاء، والحد، والقصاص، ومال اليتميم، والطلاق، والعتق، واللعان. وجعلوا هذه الأمور من اختصاص القضاء (١) .

ويظهر من فقه الحنابلة جواز التحكيم في كل ما يعرض على القاضي عامة، إلا أن أغلب فقهاء المذهب خصوا التحكيم في الأموال أما باقي الأقضية فيجب فيها الاحتياط، ولذلك يجب أن تعرض على القضاة. (٢)

وعلى هذا فالتحكيم لا يجوز في الحدود الواجبة لله؛ لأن عقوبتها مما يستقل به ولي الأمر، كما لا يجوز التحكيم في القصاص، إذ الإنسان لا يملك دمه حتى يجعله موضعًا للصلح، كما لا يجوز التحكيم فيما يجب في الدية، ولا يجوز للمحكم الحبس والسجن إذ لا سلطة له تمتد إلى ذلك.

٣- الرجوع عن التحكيم:

اعتبر الفقهاء التحكيم كالقضاء، لهذا فقد يرجع الخصمان عن التحكيم قبل صدور الحكم، أما بعد صدور الحكم فليس لأحد حق الرجوع عن التحكيم؛ لأنه صدر عن ولاية شرعية فالمحكم كالقاضي لا يرجع في حكمه، ولا يشترط المالكية دوام رضا الخصمين إلى صدور الحكم بل لو أقاما البينة عند الحكم، ثم بدا لأحدهما أن يرجع عن التحكيم قبل الحكم تعين على الحكم أن يقضي وجاز حكمه (٣) .

٤- ما يترتب على التحكيم من آثار:

يترتب على التحكيم لزوم الحكم ونفاذه، على أنه يجوز نقضه من قبل القضاء، إذا حمل ظلمًا بينًا. لذلك فإن المبدأ هو نفاذ الحكم بمجرد صدوره ودون توقف على رضا الخصمين. وليس للحكم أن يرجع عن حكمه (٤) .


(١) مواهب الجليل، للحطاب، ٦ / ١١٢، ١١٣
(٢) راجع المغني، لابن قدامة ٩/١٠٧.
(٣) راجع تبصرة الحكام، لابن فرحون، ١ / ٥٥؛ ومواهب الجليل، للحطاب ٦/ ١١٢
(٤) جميع الفقهاء على هذا المعنى، وكذلك المشهور عن الشافعي، إلا ما نسب إليه من قول بعكس ذلك وأخذ به القليل من الفقهاء، فأوجبوا عدم نفاذ حكم المحكم إلا برضا جميع أطراف الخصومة. راجع ذلك في مواهب الجليل، للحطاب، ٦ / ١١٢؛ وأدب القاضي، للحصاف، ١٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>