لقد أحال الله تعالى الحكم بالجزاء، على مقترف ذلك الإثم، إلى حكمين ممن تحققت فيهما صفة العدالة والمعرفة ويتعين على الحكمين تحديد المثل، ويخيرانه بين أن يعطي المثل أو الطعام أو الصيام. ويقدران له قدر الطعام إن اختار تقديمه.
وقد حكم من الصحابة، في جزاء الصيد، عمر مع عبد الرحمن بن عوف، كذلك مع كعب بن مالك، وحكم سعد بن أبي وقاص مع عبد الرحمن بن عوف، وحكم عبد الله بن عمر مع ابن صفوان.
وقد اشترط في الحكمين أن يكونا من المسلمين بقوله تعالى:(منكم) تحذيرًا من متابعة ما كان لأهل الجاهلية من عمل في صيد الحرم، فلعلهم يدعون معرفة خاصة بالجزاء، على غير ما بينه الله عز وجل.
رابعًا: التحكيم في القانون:
لا تخلو القوانين الوضعية من اعتماد (التحكيم) مادة قضائية، تخصص في دراستها رجال الحقوق والقانون، ويعتمد القضاء الوضعي على الخبراء ورأيهم في الموضوع المتنازع فيها، استئناسًا يطمئن إليه القضاة في أحكمهم. لذلك تخصص بعض الجماعات شعبًا لدراسة (التحكيم) وقوانينه وتختلف نظم التحكيم في دول العالم حسب تطور الطرق المتبعة في تحديد موضوعاته.
خامسًا: التحكيم السياسي الداخلي:
إن أول تحكيم سياسي في الإسلام، كان في معركة صفين عندما رفع أصحاب معاوية القرآن على رماحهم مطالبين بالتحكيم والرجوع إلى كتاب الله.
وقد انتهى ذلك التحكيم – الذي مثل فيه عليًّا، رضي الله عنه، أبو موسى الأشعري، ومثل معاوية، رضي الله عنه، عمرو بن العاص – إلا خلافات كبيرة أدت إلى انشقاق طائفة من أصحاب علي رضي الله عنه، محاربتهم له.
ومن خلال التحليل لما كتبه (الطبري) عن عقد التحكيم، ومن نقد المؤرخ المسعودي للتحكيم، ومن تعليق الكامل لابن الأثير، يظهر أن التحكيم لم يستوف الشروط الشرعية.