لقد علق على ذلك محقق كتاب الكامل لابن الأثير بقوله:(إن هذه النتيجة كانت سيئة لازمة لحكمين قد حكما بكتاب لم تبين به المعالم التي ينتهيان إليها، ولا الحدود التي ليس لهما أن يتجاوزاها، بل إن الكتاب كله كلام مفكك العرى، غير ظاهر الحدود والمعالم، وأحد الحكمين رجل فهي غفلة وعدم تقدير للأمور، وهو حاقد على علي منذ عزله عن الإمرة، مخذل عنه من قبل ذلك، وقد قعد عن نصرته ورآه سائرًا في فتنة أرثت النار بين المسلمين، فهو لأمر علي كاره، ومن خلافته نافر، فما كان لأصحاب علي أن يشيروا باختياره لهذا الأمر الذي هو فوق إدراكه، ولا قدرة له على حمله. وكان خيرًا لعلي أن يجعل أمره بيد معاوية من أن يجعله في يد رجل لا يقدر الأمور، فما كان حكم معاوية إذا جار على علي بأكثر ضررا ولا أشد إيلاما من حكم أبي موسى، وهل يوجد أكثر غفلة من رجل يريد ابن عمر للخلافة مع أن عمر منعه إياها؟ ولم يكن بينهما كتاب على ما اتفاق عليه جورًا كان أو عدلًا، وهل كان عزل علي في كتاب الله الذي أخذ عليهما العهد أن يعملا به؟) .
وكان من أثر التحكيم اضطراب حزب علي، وتقوية حزب معاوية مما كان السبب في ظهور حزب ثالث هو حزب الخوارج. فقد جاء زرعة بن البرج الطانب، وحرفوص بن زهير المعدي فقالا لعلي:(لا حكم إلا لله فرد على: لا حكم إلا الله) . وطالبا عليًّا أن يثوب عن خطيئته، ويخرج للقتال. فقال علي:(أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابًا، وشطرنا شروطًا، وأعطينا عليها عهودًا، والله يقول:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}[النحل: ٩١] . وخطب الإمام على ذات يوم عن دعوى الخوارج فقال: (الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل! إن سكتوا غممناهم، وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم) .
على أن المؤرخين بالغوا في تقديم صورة أبي موسى الأشعري في أمر التحكيم، فوصفوه بالغفلة وقصور الرأي، ويظهر أن الرجل قد اختير من أهل العراق فنصح لهم بإنهاء الفتنة، وكان يمثل رأي طائفة من معاصريه. ولم يكن أمر التحكيم وحده مصدر هزيمة علي، رضي الله عنه، فقد كانت دواعي أخرى للهزيمة، منها اضطراب جيشه أمام جيش معاوية، كما أن التحكيم لم يكن قائمًا على أساس، إذا لم يكن من ورائه قوة من المسلمين تستطيع تنفيذ الحكم.
إن الحكمين اتفقا على خلع علي ومعاوية، وأن يستقبل المسلمون أمرهم من جديد فيولون عليهم من يختارونه للخلافة، مع أنهما كان عليهما أن يفصلا في الموضوع، ودون الأخذ برأي حكم واحد من الحكمين، وهو ما لم يقل به الفقهاء الذين اشترطوا وحدة الحكم، ولعل الفقه السياسي لم يكن من الحيوية والتطور اللذين عرف بهما الفقه الاجتماعي. لذلك كان التحكيم ضعيفًا ولم ينته إلى نتيجة حاسمة.