للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسًا: التحكيم السياسي الدولي:

كان إنشاء هيئة الأمم المتحدة، بعد الحرب العالمية، مرحلة لتحقيق الترابط مما نمَّى الإحساس بوحدة مستقبل البشرية والبحث عن وسائل قانونية لفك المنازعات والخلافات بين الدول، بدلًا عن اللجوء إلى الحرب والمعاناة وما يتركه ذلك من أثر سيء على البشرية جمعاء.

لقد جاءت هيئة الأمم لتعبر عن تضامن دولي لمواجهة الصعوبات والمشاكل التي تهدد أمن الشعوب، ولذلك اهتمت بإيجاد آليات ونظم قانونية قادرة على منع الحرب وإحلال السلام في العالم، ولهذا لجأت إلى تطوير القانون الدولي الذي يحكم علاقات الدول بعضها ببعض. وتأسست لذلك لجنة القانون، يراعى في انتخاب أعضائها تمثيلهم لأكبر الحضارات الإنسانية والأنظمة القانونية الرئيسية في العالم، حتى تستطيع أن تستقطب المفاهيم العامة التي تربط العلاقات بين الدول، وتراعي في إصدار أحكامها واقتراحاتها المصالح والقيم والمثل العليا لمختلف الشعوب.

ومحكمة العدل الدولية تقوم بتطوير القانون الدولي نتيجة لآرائها الاستشارية أو لأحكامها التي تصدرها بناء على طلب الجمعية العامة أو تلبية لطلب أحد أجهزتها أو وكالاتها. وتعتبر أحكام وفتاوى محكمة العدل مصدرًا أساسًا لقواعد القانون الدولي، والأصل في أحكامها ألا يترتب الحكم القاضي أو الرأي الاستشاري آثارًا إلا بالنسبة لأطراف النزاع، ولكن يمكن لخبراء لجنة القانون والقضاء الدوليين الاستئناس بأحكام وفتاوى المحكمة، فهي أقرب ما تكون إلى التحكيم.

إن استقلال معظم الشعوب في العالم ووجود محكمة دولية أعطيا للقانون الدولي بعدًا جغرافيًّا جديدًا يختلف عن البعد الجغرافي الدولي في العصور القديمة، الذي كان مرتبطًا بأوروبا المسيحية الرأسمالية، أو الاشتراكية. كما أن الاستقلال شعوب العالم الثالث بعد الحكم الاستعماري جعلها تعيش في أوضاع مختلفة، متناقضة أوجبت رفع المنازعات إلى محكمة العدل الدولية، وهذا ما جعل المحكمة حكمًا بين الشعوب في البحث عن وسائل قانونية لفض خلافاتها.

وإذا عرفنا أن دخول العالم الثالث في المجتمع الدولي وضع صعوبات جمة أمام محكمة العدل لاختلاف مفاهيم الحضارات والثقافات التي تؤمن بها هذه الدول، عن مفاهيم القانون الدولي الأوروبي، تبين لنا مدى ضرورة إنشاء محكمة عدل دولية إسلامية لتبحث المنازعات بين الدول الإسلامية على أسس تجد حلولها في مختلف المذاهب الفقهية الإسلامية الغنية بالدراسات في هذا الموضوع. مع إضافة الموضوعات جديدة، لم تكن مألوفة في الفقه الإسلامي، كالخلافات والمنازعات المتعلقة بالفضاء الخارجي وبأعماق البحار والتلوث.

ولعل محكمة العدل أشبه بحكم المحكمين منه بالقضاء لعدم وجود سلطة العقاب والردع، فهي من اختصاص القضاء. حتى إذا لجأت بواسطة مجلس الأمن إلى العقاب ظهر ما يلاحظ من عجز في التنفيذ إلا على الضعفاء والمستضعفين.

<<  <  ج: ص:  >  >>