وهذا الظاهر في خبرية النص هو الذي يتفق مع الحقائق الشرعية والدلائل النصية من الأحاديث السابقة، إذًا فيتعين إبقاء النص على ظاهره في الخبرية، ولا يصرف عنها إلى العلية إلا بدليل وصرفه يؤدي إلى تعارض النصوص كما هو بيِّن.
وهذا معنى ما قرره المحققون من أهل العلم في توجيه هذا الحديث من أنه على ظاهره لا غير من عدم الاحتياج إلى الكتاب والحساب في أمر الهلال، قرر ذلك ابن تيمية في: الفتاوى ٢٥/ - وابن العربي في: عارضة الأحوذي، وابن حجر في: الفتح: ٤/ ١٢٢، وقال: فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا، ويوضحه قوله في الحديث الماضي:((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) ولم يقل: فسلوا أهل الحساب والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون فيرتفع الخلاف والنزع عنهم ... " اهـ. وابن بطال قال كما في: إرشاد أهل الملة:
"وقال ابن بطال وغيره معنى الحديث: أنا لم نكلف في معرفة مواقيت صومنا ولا عباداتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة إنما ربطت عباداتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة يستوي في معرفة ذلك الحساب وغيرهم" اهـ.
والسبكي كما في العلم المنشور ص/ ٩ قال:
وفي قوله صلى الله عليه وسلم:((هكذا وهكذا وهكذا)) وإشارته تحقيق لاعتماد الأمر المحسوس الذي هو من أجلى الأمور، وفطم عن اعتماد الحساب في ذلك" اهـ.
ثالثًا: نقض الاستدلال بالقياس على المحسوس بالمطمورة.
فهذا القياس باطل من أصله لأن المقيس عليه هنا لم يثبت بنص ولا اتفاق ومن شرط القياس توفر ذلك، وهو مفقود فهو ملغى من أصله، ثم هو على التسليم مقدوح فيه بعدة قوادح قياسية منها:
فساد الاعتبار لمخالفة المقيس لصرائح النصوص المشعرة بالحصر في نصب الشارع الرؤية سببًا للحكم بأول الشهر.