وأن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى قد اضطرب في هذا غاية الاضطراب من حمله تعدد المباني على تعدد المعاني في حديث واحد من رواية صحابي واحد، فهو يناقض ما ذهب إليه مع الجمهور طردًا للقاعدة المذكورة في حديث كيفية النهوض في الصلاة ما بينه في: الأجزاء الحديثية، هل يكون باعتماد على الركبتين أم الأرض؟ وفي حديث ((الفطر يوم يفطر الناس)) وأنه بمعنى الرواية الأخرى: ((الفطر يوم يفطر الإمام)) كما بسطه في رسالته: توحيد أوائل الشهور العربية ص/ ٢٥- ٢٨.
فسبحان من صرف بصر الأستاذ معالجته إلى هذا التأويل الذي أوصله إلى التناقض والله أعلم.
ولهذا فإن السبكي في: العلم المنشور ص/ ٩ قد أنصف غاية الإنصاف إذ بين تفسير الرواية: ((فاقدروا له)) بالرواية الأخرى: ((فأكملوا العدة ثلاثين يومًا)) .
بل جاء في رواية أبي داود لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن ابن عمر كان لا يأخذ بهذا الحساب فهذا تفسير منه لرواية: ((فاقدروا له)) وأنها بمعنى الرواية الأخرى: ((فاقدروا له ثلاثين)) .
وبعد كتابة جميع ما تقدم وجدت في المستدرك للحاكم ١/ ٤٢٣، والسنن الكبرى للبيهقي ٤/ ٢٠٤، بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له، أتموه ثلاثين)) فهذه الرواية الصحيحة صريحة في تفسير المرفوع بالمرفوع ولم أر من أشار إليها في النقض فالحمد لله على التيسير والله أعلم.
ثانيًا: نقض الاستدلال بمفهوم حديث: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) الحديث.
فقد علم في اللسان أن بساط المقال كبساط الحال له تأثير في الأحكام كما علم في مسائل من الإيمان والنذور والطلاق وغيرها، فقوله صلى الله عليه وسلم هنا:((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) فقرنه بقول ((الشهر هكذا ... )) أي مرة ثلاثين ومرة ٢٩ –فهو محض- خبر من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته: أنها لا تحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب، إذ هو إما (٣٠) يومًا أو (٢٩) يومًا، ومرد معرفته بالرؤية للهلال أو بالإكمال، كما في الأحاديث المتقدمة المشعرة بالحصر في هذين السبيلين لا بكتاب ولا بحساب، فهذا خبر منه صلى الله عليه وسلم يتضمن نهيًا عن الاعتماد على الكتاب والحساب في أمر الهلال، وفطم للأمة عن الاعتماد عليه، إذ أغناهم بنصب الرؤية أو الإكمال دليلًا على أوائل الشهور، ولهذا نظائر في النصوص الخبرية كقوله صلى الله عليه وسلم:((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) فهذا خبر يفيد صفة المسلم متضمنًا النهي عن إيذاء المسلم بلسان أو يد.