وهذا الثابت من قوله صلى الله عليه وسلم، ثابت من سنته الفعلية صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عد ثلاثين يومًا ثم صام)) ، رواه أبو داود بسند صحيح.
وجميع روايات الصحابة المذكورة رضي الله عنهم ليس فيها ((فاقدروا له)) إلا في بعض ألفاظ حديثي أبي هريرة، وابن عمر رضي الله عنهم، وقد تعددت ألفاظ روايتهما فجاء فيها مثل ألفاظ الجماعة سواء ففي لفظهما أيضًا ((فعدوا ثلاثين)) وبلفظ ((فأكملوا العدة ثلاثين)) عن ابن عمر، وبلفظ ((فأكملوا العدة)) عن أبي هريرة ونحوها من الروايات السابقة عنهما، ومنها الرواية عنهما بلفظ ((فاقدروا له ثلاثين)) عند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه، وعند النسائي، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فاتضح أن رواية ((فاقدروا له)) هي مثل رواية ((فاقدروا له ثلاثين)) وهما بمعنى: فأتموا العدة ثلاثين، وفي التنزيل {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي تمامًا، وهذا هو ما فهمه أهل الحديث الذين أخرجوا الحديث، حيث يوردون الرواية المفسرة بعد المجملة كما صنع: البخاري، ومالك، وبسطه الحافظان ابن عبد البر في: التمهيد ٢/ ٩٣- ٤٠، وابن حجر في: الفتح ٤/ ١٢٠.
وعليه فإن جميع مورد الروايات واحد وإن اختلفت ألفاظها، فالإكمال، والإتمام، والإحصاء، والتقدير، والعدة، هكذا وهكذا وهكذا، جميعها بمعنى واحد، وأن الذين رووا، ((فاقدروا له)) جاء عنهما ((فاقدروا له ثلاثين يومًا)) ، وجاء عنهما أيضًا مثل ألفاظ الجماعة.
والواجب في السنن جمع شملها ونفي الاختلاف والتضارب عنها، وأن الاختلاف في اللفظ لا يحمل على الاختلاف في المعنى إلا عند تعدد المخارج وتعذر الجمع، كما عليه العمل عند المحدثين وأهل الأصول، وحرره ابن حجر في النكت كما أن من طريقتهم التي لا اختلاف فيها بينهم حمل المجمل على المفسر، فمثلًا لفظ:((فاقدروا له)) يفسره لفظ ((فأتموا العدة ثلاثين)) إذ ليس بين المجمل والمفسر تعارض أصلًا، وهذا لائح الوضوح والبيان.